بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
آه من كلمة "أريد أن أتوب ولكن"!! ولكن ماذا؟ إنَّه ضعف الإرادة ووهم السَّعادة.
نعم: نقولها ابتداءً، نريدها خطوة عمليه نحو التَّوبة، فكم نسمع عن التوبة النَّصوح وكم ندعي إلي ذلك الباب المفتوح؟ ولكن!! آه من كلمة "أريد أن أتوب ولكن"!! ولكن ماذا؟ إنَّه ضعف الإرادة ووهم السَّعادة. ضعف الإرادة عن طاعة الله -عزَّ وجلَّ- ورسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وعمل الخير والتَّمني والتَّسويف. ووهم السَّعادة بأنَّها إلا تكون إلا في حياة الانفلات والتَّحلُّل من كلِّ قيدٍ وتكليفٍ. أردنا التَّحرُّر من (القيود) وقعدنا -وكم طال بنا القعود- وظننَّا -ويا لسوء ما ظننَّا- في الله الواحد المعبود! عندما نردد وتأكيدًا لتقصيرنا {وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 218] ونسينا أو تناسينا وغفلنا أو تغافلنا عن ذلك التَّحذير {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28]، {وَاللَّـهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [آل عمران: 11]، والآن نطير بجناحين: جناحي الرَّجاء والخوف وندع عنا كلمة سوف وسوف!! ولنبادر ولنحاذر، ولنركب سفينة النَّجاة حذر أن تغرق في بحر الظُّلمات ظلمات المعاصي وشؤم السَّيِّئات!! فالتَّوبة التَّوبة والتَّوبة التَّوبة قبل أن يصعب الخلاص ولا ينفع النَّدم فلات حين مندم!!
فياربِّ تبنا إليك، واستغفرناك واستودعناك سرنا، فلا تكشف سترنا. اعترفنا بتقصيرنا وندمنا على ما فرطنا في جنبك عندما سمعنا نداءك الخالد ينادينا ويأخذ بأيدينا {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزُّمر: 53] إنَّها الرَّحمة الواسعة الَّتي تسع كلّ معصيةٍ كائنةٍ ما كانت وإنَّها الدَّعوة للتوبة. دعوة العصاة المسرفين الشَّاردين المبعدين في تيه الضَّلال. دعوتهم إلى الأمل والرَّجاء والثقة بعفو الله.
{وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ﴿54﴾ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزُّمر: 54-55].
الإنابة والإسلام والعودة إلى أفياء الطَّاعة وظلال الاستسلام. هذا هو كلُّ شيءٍ بلا طقوسٍ ولا مراسمَ ولا حواجزَ ولا وسطاءَ ولا شفعاءَ!
هيا قبل فوات الأوان هيا {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} فما هنالك من نصر. هيا فالوقت غير مضمون. ولنكن "عمليين" أكثر فتقوم بالآتي:
1- الاستغفار: ونقول "نستغفرك اللهمَّ ونتوب إليك ونبرأ من حولنا وقوتنا إلى حولك وقوَّتك ونعوذ بك اللهمَّ من همزات الشياطين".
2- الإقلاع عن المعصية: ونقول "اللهمَّ إنَّا نشهدك أنَّنا أقلعنا عن الذُّنوب والمعاصي وكلُّ ما يغضبك ويجلب سخطك فتقبلها اللهمَّ منَّا توبةً لا معصية بعدها".
3- النَّدم: ونقول "اللهمَّ قد ندمنا على ما كان منَّا وعلى ما فرطنا في جنبك وقصرنا في حقك. وقد قال نبيُّك محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «النَّدم توبة» [رواه ابن ماجه 3448 وصحَّحه الألباني].
4- العزيمة على عدم العودة: ونقول "اللهمَّ إنا نشهدك أنَّنا قد عزمنا على عدم العودة إلى طريق الظَّلام واجعلنا اللهمَّ ممَّن اهتدى لنورك وعلى صراطك استقام".
5- ردُّ الحق والمظالم لأهلها: ونقول "اللهمَّ ما كان لخلقك من حقوق علينا فأعنَّا على تأديتها وإرجاعها فإن ذلك من تمام توبتنا".
وبهذه الخطوات الخمس تكتمل شروط التَّوبة ويتبعها بعد ذلك المحافظة على الفرائض، وإلحاقها بالكثير من النَّوافل حتَّى تقوى النُّفوس على التَّوبة النَّصوح. ثمَّ إتمامها بمصاحبة الصَّالحين وترك بيئة المعصية.
بشارة
ما أروع تلك الصورة التي رسمها لنا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- حين قال: «لله أشد فرحًا بتوبة عبده، حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاةٍ. فانفلتت منه. وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة. فاضطجع في ظلها. قد أيس من راحلته. فبينا هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده. فأخذ بخطامها. ثمَّ قال من شدَّة الفرح: اللهمَّ أنت عبدي وأنا ربُّك. أخطأ من شدة الفرح» [رواه مسلم 2747].
وها هي الملائكة الكرام الأتقياء الأطهار الَّذين شابهتهم في صفات الطُّهر والنَّقاء يفرحون بتوبة العبد إذا تاب ويشاركونه الفرحة حيث قال -تعالى-: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴿7﴾ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿8﴾ وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ۚ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر: 7-9].
يالها من فرحة وما أوسع فضل الله عليك، ياربِّ ما أكرمك وأحلمك ستبدل سيِّئاتي إلى حسناتٍ {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الفرقان: 70].
ربِّ إنِّي خجلت منك ومن نفسي تبت إليك، تبت إليك فتقبلني.
جمعية بشائر الخير