تمثل المخلفات الزراعية عبئا ثقيلا على كاهل البيئة، والتخلص منها معضلة تواجه الدول النامية والمتقدمة على السواء، أما الاستفادة من تلك المخلفات فهو حلم الجميع، الذي سعت عدة دول بطرق مختلفة لتحقيقه، فكان إنتاج البيوجاز هو الاستغلال الأمثل لتلك المخلفات.
وكان لبلدان نامية كثير تجربتها مع إنتاج البيوجاز، ومن ضمن تلك الدول مصر، حيث أقامت وزارة الزراعة المصرية بالتعاون مع وزارة البيئة عدة مشروعات للاستفادة من تلك المخلفات واستخدامها في إنتاج غاز "البيوجاز" كطاقة بديلة أكثر أمنا من الغاز الطبيعي.
ويعرف الدكتور محمد يوسف الأستاذ بمعهد بحوث الإنتاج الحيواني بالقاهرة البيوجاز بأنه المخلوط الغازي الناتج عن تخمير المركبات العضوية "روث الحيوانات، مخلفات الحقل" عند خلطها بالماء بمعزل عن الهواء الجوي وبفعل أنواع متخصصة من البكتريا؛ فينتج غازات الميثان بنسبة 50 إلى 70% وهو الجزء القابل للاشتعال في المخلوط، كما ينتج غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 20 إلى 25%، بالإضافة إلى عدد من الغازات الأخرى بنسب قليلة مثل: الهيدروجين والنيتروجين وآثار من كبريتيد الأيدروجين، وهو الذي يعطي الرائحة المميزة للغاز.
تتعدد فوائد عملية إنتاج البيوجاز بداية من توفير طاقة بديلة للغاز الطبيعي، وسماد عضوي لتسميد الأرض ووصولا لإنتاج علف يصلح لتغذية الحيوانات.
فبعد إنتاج الغاز سابق الذكر يتخلف سماد عضوي جيد، غني في محتواه من المادة العضوية والعناصر السمادية الكبرى والصغرى وبالكميات الملائمة للنباتات، فضلا عن احتوائه على الهرمونات النباتية والفيتامينات ومنظمات النمو، إلى جانب خلوه من الميكروبات المرضية واليرقات وبذور الحشائش، حيث تهلك تماما أثناء تخمر المخلفات العضوية، مما يجعل منه سمادا نظيفا لا يلوث البيئة، وليست له أي مخاطر عند استخدامه في تسميد جميع المحاصيل.
وإضافةً إلى كل ما سبق يتم استخدام مخلفات عملية إنتاج البيوجاز كمصدر لعلف الحيوان والطيور المنزلية، لاحتوائه على نسبة عالية من المواد البروتينية ولا يحتوى على مركبات ضارة بالكائنات الحية.
إغراءات ومزايا
دفعت المغريات السابقة بوزارة الزراعة والبيئة في مصر إلى إنتاج البيوجاز كإحدى الوسائل العملية للتخلص من المخلفات الزراعية، ويوضح د. سمير الشيمي الأستاذ بمعهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة، أن التوجه السائد في البداية كان يرجح استخدام قش الأرز الذي قدرت الإحصائيات أن كميته تصل سنويا إلى 6.3 ملايين طن يتم حرقهم دون الاستفادة بها، مخلفة تلوثاً هوائيا يمثل أكبر صداع في رأس مسئولي البيئة في مصر.
وقد حظيت قرى محافظة الشرقية بباكورة التطبيق لهذا المشروع، حيث تعد من المناطق الأكثر تضرراً من مخلفات قش الأرز في مصر، وأظهر المشروع نجاحا مميزا. وقد تم تنفيذ المشروع عن طريق خلط القش بالصرف الصحي للإنسان وذلك داخل مكامير (غرف محكمة العزل عن الهواء) خاصة أعدت لذلك.
وبعد النجاح الذي أظهره هذا المشروع بدأ التفكير يتجه إلى استخدام ورد النيل كواحد من أهم المشكلات التي تؤدي إلى نقص موارد مصر المائية، وذلك لتكاثره بصورة رهيبة في المجاري المائية، وبالفعل أظهر ورد النيل كفاءة في إنتاج البيوجاز، ولكن حتى الآن لم يتم تطبيقه على أرض الواقع، على الرغم مما أظهرته الأبحاث من كفاءة أعلى للبيوجاز الناتج من خلطة 25% روث أبقار مع 70% ورد النيل.
ومن المقرر أن يتم الاتجاه إلى استخدام باقي المخلفات الزراعية كحطب القطن ومصاصة القصب التي تقدر بأكثر من 20 مليون طن سنويا.
امتياز البيوجاز
تتخطى مزايا استخدام البيوجاز التخلص من المخلفات التي تعد في حد ذاتها ميزة لا يستهان بها، بل يتمتع البيوجاز بمزايا متعددة تؤهله لأن يكون بديلا لمصادر الطاقة العادية كما يؤكد د. محمد نبيل أستاذ البيوجاز بمركز البحوث الزراعية بمصر، فهو يستخدم دون معالجات أو تنقية حيث يتخلف عن احتراقه في المواقد ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، وبالتالي فإنه لا يسبب تلوثا للهواء الجوي مقارنة بمصادر الطاقة الأخرى حيث ينتج عنها أول أكسيد الكربون المعروف بتأثيره السام.
والبيوجاز غاز غير سام وعديم اللون وله رائحة الغاز الطبيعي وسرعة اللهب عند اشتعاله -35 سم في الثانية وهو أبطأ من الغاز الطبيعي- مما يجعله بديلا أكثر أمنا منه، وتتراوح الطاقة الحرارية الناتجة عنه ما بين 5000 إلى 6000 كيلو كالوري للمتر المكعب.. وقد أثبتت التطبيقات العملية أن المتر المكعب منه يمكن أن يغطي الاحتياجات الآتية:
تشغيل موقد متوسط لمدة من 2.5 إلى 3 ساعات.
تشغيل كلوب برتينة قوة 100 شمعة لمدة من 8 إلى 10 ساعات.
تشغيل آلة احتراق داخلي قدرتها 1 حصان لمدة ساعتين.
تشغيل جرار زراعي زنة 3 طن مسافة 2.8 كجم.
تشغيل فرن متوسط الحجم لمدة ساعتين.
تشغيل دفاية مزارع دواجن طولها 60 سم لمدة ساعتين.
ويلاحظ أنه حتى يمكن استخدام مواقد البوتاجاز لتعمل بالبيوجاز لا بد من إجراء تعديلين، الأول هو توسيع فتحة خروج الغاز (الفونية) للحصول على نفس كمية الحرارة الناتجة عن الغاز الطبيعي لأن الطاقة الحرارية للبيوجاز أقل من الغاز الطبيعي، والثاني هو ضرورة تصغير فتحة دخول الهواء لأن كمية الهواء اللازمة لحرق الغاز حرقا كاملا أقل بالنسبة للبيوجاز عن الغاز الطبيعي.
ولا تتوقف الفوائد عند هذا الحد، بل له تطبيق آخر لم يتم استخدامه في مصر وهو إنتاج الطاقة الكهربائية باستخدام مولدات تعمل بالبيوجاز حيث يمكن للمتر المكعب منه توليد طاقة كهربائية تتراوح من 1.3 إلى 1.5 كيلو وات في الساعة.
حي على العمل
ولتفعيل هذه التجربة علينا التعرف على المتطلبات التكنولوجية اللازمة لإنجاح إنتاج البيوجاز، ويعلق على ذلك د. محمد نبيل قائلا إنه يجب اختيار الموقع الملائم بحيث يكون قريبا من مصادر المخلفات والمياه ومناطق استخدام الغاز، كما يجب أن يتم تشغيل وحدات البيوجاز عن طريق ملء غرفة التخمير بالمخلفات وإضافة المياه إليها بكمية تتلاءم مع محتوى المخلف من الرطوبة، فكلما زاد محتوى الرطوبة في المخلف تقل كمية المياه المطلوب وضعها.
بعد ذلك تقفل جميع الفتحات بالمخمر وتترك لفترة من 2 - 3 أسابيع دون تغذية يومية للمخمر بمزيد من المخلفات، وبفعل البكتريا يتحلل المخلف لينتج غاز الميثان، وبعد انتهاء فترة الأسابيع الثلاثة تتم التغذية اليومية بالمخلفات. وقد أظهرت التطبيقات العملية أن 5 كجم قش أرز و16.7 كجم ورد نيل تعطي 1م3 بيوجاز أي 5 آلاف و513 كيلو كالوري.
وقد يسر مركز البحوث دورات تدريبية للمقدمين على إنشاء وحدات لإنتاج البيوجاز بمصر عبر مركز تدريب على تكنولوجيا البيوجاز بقرية مشتهر بمحافظة القليوبية، وهذا المركز يقوم بإنشاء وتشغيل وصيانة وحدات إنتاج البيوجاز، وتدريب وتأهيل الكوادر الفنية من المهندسين والفنيين والعمال والمزارعين والقيادات الريفية على نظم إنشاء وتشغيل وصيانة وحدات البيوجاز، بهدف نشر طاقة البيوجاز كطاقة بديلة تحقق عائدا اقتصاديا مجزيا وتحمي البيئة من التلوث.
[/size][/right]
[/size][/center]