عن أبي حمزة أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". (رواه البخاري ومسلم)
شرح وفوائد الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)): الأولى أن يحمل ذلك علىعموم الأخوة ، حتي يشمل الكافر والمسلم، فيحب لأخيه الكافر ما يحب لنفسه من دخوله في الإسلام ، كما يحب لأخيه المسلم دوامه على الإسلام ،ولهذا كان الدعاء بالهداية للكافر مستحباً، والحديث محمول على نفي الإيمان الكامل عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه . والمراد بالمحبة إرادة الخير والمنفعة، ثم المراد: المحبة الدينية لا المحبة البشرية ، فإن الطباع البشرية قد تكره حصول الخير وتمييز غيرها عليها ، والإنسان يجب عليه أن يخالف الطباع البشرية ويدعو لأخيه ويتمنى له ما يحب لنفسه ،والشخص متى لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه كان حسوداً .
والحسد كما قال الغزالي: ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول : أن يتمنى زوال نعمة الغير وحصولها لنفسه .
الثاني : أن يتمنى زوال نعمة الغير وإن لم تحصل له كما إذا كان عنده مثلها أو لم يكن يحبها ، وهذا أشر من الأول .
الثالث: أن لا يتمنى زوال النعمة عن الغير ولكن يكره ارتفاعه عليه في الحظ والمنزلة ويرضى بالمساواةولا يرضى بالزيادة ،وهذا أيضاً محرم لأنه لم يرض بقسمة الله تعالى :{ أهم يقسمون رحمة ربك؟!نحن قسمنا معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضَهُم فوق بعضٍ درجاتٍ ليتخذَ بعضُهًم بعضاً سخرياً ورحمةُ ربكَ خيرُُمما يجمعون} [الزخرف:32]. فمن لم يرض بالقسمة فقد عارض الله تعالى في قسمته وحكمته.وعلى الإنسان أن يعالج نفسه ويحملها علىالرضى بالقضاء ويخالفها بالدعاء لعدوه بما يخالف النفس.
الحديث الرابع عشر
عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة". (رواه البخاري ومسلم)
شرح وفوائد الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم: (( الثيب الزاني)) المراد : من تزوج ووطىء في نكاح صحيح ثم زنا بعد ذلك ، فإنه يرجم ، وإن لم يكن متزوجاً في حالة الزنا لاتصافه بالإحصان .
قوله صلى الله عليه وسلم ( والنفس بالنفس)) أي بشرط المكافأة فلا يقتل المسلم بالكافر ولا الحر بالعبد عند الشافعية ، لا الحنفية.
قوله صلى الله عليه وسلم ( والتارك لدينه المفارق للجماعة))وهو المرتد والعياذ بالله تعالى ، وقد يكون موافقاً للجماعة كاليهودي إذا تنصر ، وبالعكس يقتل لأنه تارك لدينه غير مفارق للجماعة ، وفيه قولان ، أصحها : لا يقتل بل يلحق بالمأمن . والثاني :يقتل لأنه اعتقد بطلان دينه الذي كان عليه وانتقل إلى دين كان يرى بطلانه قبل ذلك ، وهو غير الحق فلا يترك بل إن لم يسلم يقتل ،وقد تقدم القتل أيضاً في صورة سبق الكلام عليها.
الحديث الخامس عشر
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه". (رواه البخاري ومسلم)
شرح وفوائد الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقلخيراً أو ليصمت)) قال الشافعي رحمه الله تعالى : معنى الحديث : إذا أراد أن يتكلم فليفكر ، فإن ظهر أنه لا ضرر عليه تكلم ، وإن ظهر أن فيه ضرر أو شك فيه أمسك. وقال الإمام الجليل أبو محمد ابن أبي زيد إمام المالكية بالمغرب في زمنه : جميع آداب الخير تتفرع من أربعة أحاديث: قول النبي صلى الله عليه وسلم (( من كانيؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)). وقوله صلى الله عليه وسلم ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) . وقوله صلى الله عليه وسلم : للذي اختصر له الوصية ( لا تغضب)). وقوله ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).
ونقل عن أبي القاسم القشيري رحمه الله تعالى أنه قال : السكوت فيوقته صفة الرجال ، كما أن النطق في موضعه من أشرف الخصال . قال : وسمعت أبا علي الدقاق يقول : من سكت عن الحق فهو شيطانأخرس.وكذا نقله في (( حلية العلماء)) عن غير واحد . وفي (( حليةالأولياء)) أن الإنسان ينبغي له أن لا يخرج من كلامه إلا ما يحتاج إليه ، كما أنه لا ينفق من كسبه إلا ما يحتاج إليه وقال : لو كنتم تشترون الكاغد للحفظة لسكتم عن كثير من الكلام . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من فقه الرجل قلة كلامه فيما لا يعنيه)) وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( العافية في عشرة أجزاء: تسعة منها في الصمت إلاَّ عن ذكر الله تعالى عز وجل)) .ويقال : من سكت فسلم ، كمن قال فغنم . وقيل لبعضهم: لم لزمت السكوت ؟ قال : لأن لم أندم على السكوت قط ،و قد ندمت على الكلام مراراً. ومما قيل: جرح اللسان كجرح اليد، وقيل : اللسان كلب عقور إن خلي عنه عقر .وروي عن على رضي الله عنه .
قوله صلى الله عليه وسلم : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)).
قال القاضي عياض : معنى الحديث : أن من التزم شرائع الإسلام ،لزمه إكرام الضيف والجار .وقد قال صلى الله عليه وسلم(ما زالجبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )) . وقال صلى الله عليه وسلم (( من آذى جاره ملكه الله داره)). وقوله تعالى :{والجارذي القربي والجار الجنب}[النساء:36].
الجار يقع على أربعة : الساكن معك في البيت. قال الشاعر: أجارتنا بالبيت إنك طالق