أسماء القيامة في القرآن الكريم والحكمة من إخفاء وقتها؟

أسماء القيامة في القرآن الكريم والحكمة من إخفاء وقتها؟

لقد سمى الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد مصطلح "القيامة" باسمى شتى ومعاني كثيرة، ووصفها بأوصاف متعددة متنوعة تدل بمعانيها على أنها شيء عظيم، فالقيامة واهوالها من الغيب الذي اخبرنا به الله عز وجل، ورسوله عليه الصلاة والسلام، فهي من خصائص علم الله تعالى التي اكثر الناس السؤال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى انزل عليه قوله عز وجل : (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي، لايجليها لوقتها الا هو ؛ ثقلت في السموات والأرض لا تاتيكم الا بغتة، يسألونك عنها كأنك حفي عنها، قل إنما علمها عند الله، ولكن أكثر الناس لا يعلمون)[1].

فهناك إذن حكمة عظيمة في إخفاء وقت القيامة ؛ وفي جعلها من غيبيات الله سبحانه وتعالى، وهذا ما سنحاول بعون اله تعالى تبيانه في هذا الفصل الذي يتضمن مبحثين:

· الأول : متعلق بأسماء القيامة في القرآن الكريم

· الثاني : متعلق بالحكمة من إخفاء وقت القيامة.

المبحث الاول :

أسماء القيامة في القرآن الكريم

يعتبر مصطلح "القيامة" من المصطلحات القرآنية الأكثر أهمية في كتاب الله تعالى، والأكثر تداولا بين الناس، وهذا المصطلح لما عظم أمره وكثرة أهواله ودواهيه سماه الله في كتابه العظيم بأسماء عديدة، ووصفه بأوصاف متنوعة.

قال الغزالي: " وقد وصف الله بعض دواهيها ؛ وأكثر من أساميها لنفق بكثرة أساميها على كثرة معانيها، فليس المقصود بكثرة الاسامي والألقاب ، بل الغرض تنبيه أولي الألباب، فتحت كل اسم من أسماء القيامة سر، وفي كل نعت من نعوتها معنى"[2].

وقد وردت للقيامة ويوم القيامة أسماء عديدة في القرآن الكريم، واليت سأعمل بعون الله تعالي على عرضها في هذا المبحث حسب ترتيب سور القرآن ؛ وقد كان مورد في تقصي وتتبع موارد مرادفات القيامة، كتاب : "الدليل المفهرس لألفاظ القرآن الكريم"[3].

وهكذا سميت القيامة "الساعة" دلالة على قربها، ولأنها تأتي بغتة في ساعة فيها بمعنى الجزء من النهار أو الليل ؛ كقوله تعالى : (ولكل امة اجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ولا يستقدمون)[4].

ووردت بمعنى القيامة – وهذا ما يهمنا – في أربعين موضعا، منها قوله تعالى في سورة الانعام الآية : 32 (قد سخر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون اوزانهم على ظهورهم إلا ساء ما يزرون)، ووردت كذلك في : الانعام 41/والاعراف 187/ ويوسف 108/ والحجرة 75/والنحل 77/والكهف 21-35/ ومريم 72/ وطث 14/والانبياء 49/ والحج 71-54/ والفرقان 11 (مرتين) / والروم 11؛45/ ولقمان 22/ والاحزاب 23 (مرتين) وسبإ 3/ وغافر 42، 59/ وفصلت 42؛49/ والشورى 15؛12 / والزخرف 21؛22؛85/ والجاثية 32؛31/ ومحمد 19 / والقمر 1؛42 (مرتين) / والنازعات 41.

وتسمى : "الرجفة" دلالة على الحركة العنيفة الغير المنتظمة ؛ وجاءت في أربعة مواضع في القرآن الكريم ؛ كقوله تعالى في سورة الاعراف، الآية : 88 (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين). ثم الاعراف 90،100/ والعنكبوت 37.

وتسمى "الصيحة" دلالة على الهول والعذاب اللذين ينزلان بالامم المكذبة، ووردت في ثلاثة عشرة موضعا: هود 22: (واخذ الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا في دارهم جاثمين). /هود 94 / والحجر 73 ، 83 / والمومنون 41/ والعنكبوت 40/ ويس 28 ، 48 ، 52/ وص 14 / وق 42 / والقمر 41 / والمنافقون 4.

وجاءت تسمية القيامة "الفزع الأكبر" في موضع واحد هو قوله تعالى في سورة الأنبياء 103 (لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون).

وتسمى "الآخرة" في موضع كثيرة في القرآن الكريم منها مثلا: المومنون 75 (وإن الذين لا يومنون بالآخرة عن الصراط لناكبون) / وغافر 39 / والليل 13/ ونحو هذا كثير في كتاب ربنا عز وجل، غير أن الأخرى تفسر على خمسة وجوه:

الوجه الأول : بمعنى القيامة ؛ والثاني : أنها تعني الجنة خاصة كقوله تعالى: (والآخرة عند ربك للمتقين)[5]. والثالث: الآخرة : يعني جنهم مثل قوله تعالى : (يحذر الآخرة)[6] يعني عذاب جهنم، والرابع : الآخرة : يعني القبر كقوله عز وجل: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة)[7] يعني : وفي القبر حين يسألهم منكر ونكير، والخامس: الآخرة يعني : الأخير مثل قوله تعالى : (فإذا جاء وعد الآخرة)[8]. يعني : الوقت الأخير"[9].

وتسمى "الغاشية" : وهي الداهية التي تغشى الناس، وتغمرهم بأهوالها، وجاءت في موضعين من القرآن الكريم، الأول قوله تعالى في سورة العنكبوت 55 (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعلمون) والغاشية.

وسميت القيامة "الزجرة" : في موضعين : الصافات 19 (فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون) / والنازعات : 13.

وورد تسميتها "الازفة" : وهي تعني القريبة وجاءت في موضعين : الاول في غافر 17 : (وأندرهم يوم الآزفة إذا القلوب لدى الحناجر كاظمين) / والنجم : 56.

وتسمى "الصاعقة" دلالة على ان كل الناس تصعق يوم القيامة، وورد ذكر الصاعقة في أربعة مواضع من القرآن الكريم: فصلت 13 (فغن اعرضوا فقل آنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) / وفصلت 13 / والذاريات 14 / والطور 43.

وجاءت تسميتها "المنتهى" في ثلاثة مواضع : النجم 14 (عند سدرة المنتهى) / والنجم 41 / والنازعات 43.

وتسمى "الواقعة" : جلالة على وقوعها قطعا لا محالة، ووردت في القرآن الكريم في موضعين : الواقعة (إذا وقعت الواقعة) / والحاقة : 14.

وتسمى "الخافضة" في موضع واحد هو قوله تعالى في سورة الواقعة، الآية:3 (خافضة رافعة).

وسميت القيامة" الراجفة" دلالة على الصيحة الأولى، التي ترجف لها الارض والجبال والاحياء جميعا"[10] } وسميت بذلك في موضعين : المزمل 13 (يوم ترجف الارض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهملا) / والنازعات 6.

وتسمى "الرادفة" دلالة على انها تطم على كل شيء أي تعلوه وتغطيه، فهي بذلك تعلو سائر الدواهي، ووردت في موضع واحد هو: النازعات 34 (فإذا جاءت الطامة الكبر).

وتسمى "الصاخة" دلالة على ان الأذان تصم من شدتها، وجاءت في موضع واحد: هو قوله تعالى في سورة عبس: 33 (فإذا جاءت الصاخة).

وتسمى "الدمدمة" في موضع واحد من القرآن الكريم : الشمس 14: (فكذبون فعقروها فدمدم عليهم ربهم ذنبهم فسواها).

وتسمى "الزلزلة" دلالة على إن الأرض تنخسف بما عليها مرة بعد مرة وجاءت في القرآن الكريم في أربعة مواضع الزلزلة (إذا زلزلت الأرض زلزالها) / البقرة 212 والاحزاب 111/ والحج.

فهذا إذن عرض لهم أسماء القيامة في القرآن - مفردا- والمواضع التي ورد فيها كل اسم في القرآن، ووردت اسماء أخرى ليوم القيامة مركبا، فهو يسمى : يوم الحسرة ويوم الندانة ؛ ويوم المحاسبة؛ ويوم المسابقة ويوم الجزاء ؛ ويوم المناقشة ؛ ويوم المساءلة ؛ ويوم المنافسة ؛ ويوم التلاق ؛ ويوم الحساب ؛ ويوم الفرار ؛ ويوم الفراق ؛ ويوم المساق ؛ ويوم العذاب ؛ ويوم القصاص ؛ ويوم القرار ؛ ويوم التناد ؛ ويوم اللقاء ؛ ويوم المآب ؛ ويوم البلاء ؛ ويوم البكاء؛ ويوم العرض ؛ ويوم الحق ؛ ويوم الحشر ؛ ويوم الوعيد ؛ ويوم الجمع ؛ ويوم االحكم ؛ ويوم الفصل ؛ ويوم الفتح ؛ ويوم البعث ؛ ويوم عقيم ؛ ويوم الخزي ؛ ويوم عسير ؛ ويوم الدين ؛ ويوم عظيم ؛ ويوم النشور ؛ ويوم المصير ؛ ويوم النفخة ؛ ويوم اليقين ؛ ويوم الفزع ؛ ويوم المأوى ؛ ويوم الكسرة ؛ ويوم الميعاد ؛ ويوم الميقات ؛ ويوم المرصاد ؛ ويوم الخلود ؛ ويوم الوقوف ؛ ويوم عبوس ؛ ويوم ملعلوم ؛ ويوم البطش ؛ ويوم عاصف ؛ ويوم الظلة ؛ ويوم عصيب ؛ ويوم محفوظ ، ويوم الاشهاد ؛ ويوم التغابن ؛ ويوم الانشقاق ؛ واليوم الاخر ؛ ويوم الوزن ؛ ويوم الخروج ؛ ويوم لا ريب فيه ؛ ويوم لا تجزى نفس عن نفس شيئا ؛ ويوم تبلى فيه السرائر ؛ ويوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا ؛ ويوم تشخص فيه الابصار ؛ ويوم يسحبون في النار وجوههم ؛ ويوم يكون الناس كالفراش المبثوث، ويوم يقول كن فيكن ؛ ويوم يساق العباد ومعهم الاشهاد } ويوم يدعون الى نار جهنم دعا ؛ ويوم تقلب وجوههم في النار } ويوم يجزي والد عن ولده ؛ ويوم هم على النار يفتنون ؛ ويوم لا ينفع الظالمين معذرتهم } ويوم تخشع فيه الابصار ؛ وتسكن الاصوات } ويقل فيه الالتفات ؛ وتبرز الخفعيات، وتظهر الخطيئات ؛ ويوم ترد فيه المعاذير } وتبلى فيه السرائر، وتظهر الضمائر ؛ وتكشف الاستار ؛ ويوم ترونها تذهل كل مرضعة عما اورضعت، ويوم يشيب الصغير، ويسكر الكبير، ويوم توضع الموازين، ويوم تنشر الدواوين، ويوم برزت الجحيم واغلي الحميم ؛ وسعرت النيران ؛ وزفرت النيران زيئس الكفار؛ وتغيرت الالوان، وخرس اللسان، ونطقت جوارح الانسان ؛ ويوم تسير فيه الجبال؛ ويوم يعض الظالم على يديه ؛ يوم لا ينفع مال ولا بنوت، ويوم لا مرد له من الله، ويوم الزينة ؛ ويوم تبيض وجوه وتسود وجوه، ويوم التقى الجمعان ؛ يوم ينفع الصادقين صدقهم ؛ ويوم كبير ؛ ويوم ينظر المرء ما قدمت يداه ؛ يوم التذكر.

فهذا عرض اهم اسماء وصفات مصطلح "القيامة" مفردا ومركبا في القرآن الكريم، هذه الاسماء بكثرتها تدل على ان للقيامة معاني اخرى متعددة، يدل عليها كل اسم من اسمائها ؛ إذ ان استعمال هذه الاسماء يتناسب مع طبيعة اللغة العربية من التوسع في اطلاق اسماء متعددة على الشيء الواحد، مثل تسميتهم الأسد بالمراس والخطار والحطام والباسل والاصيد. واسماء وصفات القيامة كلها اسماء تثير الوجدان وتهز النفس.

ومن خلال هذا التتبع لأسماء القيامة – مفردا اكان ام مركبا – في القرآن الكريم ؛ يمكن لنا تقسيمها الى ثلاث معاني كبرى منها : انها تدل على المفاجاة المروعة : الساعة والطامة والواقعىة والصاخة والغاشية... ؛ وانها تدل على معنى الجزاء العادل : كالدين والحساب مثلا... ؛ كما أنها تدل على الحكم الفاصل : كالفصل، والحاقة...

وهذه المعاني الثلاثة الكبرى وغيرها تعتبر من أهم مظاهر القيامة في القرآن الكريم، والتي نشرحها بعون الله تعالى في الفصل الرابع. ولهذا وجب على كل مسلم وهو يقرأ كتال ربنا عز وجل أن يتدبر معاني وأسماء القيامة، فلا ينبغي عليه ان يغفل عن ذلك، لأن في هذا التدبر ما يؤدي الى تثبيت الايمان بالله سبحانه وتعالى، وبيوم الحسان وبان قيام الساعة وعد من الله عز وجل وبأنه سيتحقق لا محالة.

قال الإمام الغزالي – رحمه الله : "ثم يكون أحسن أحوالنا أن تتخذ دراسة هذا القرآن عملا، فلا نتدبر معانيه ولا ننظر في كثرة اوصاف هذا اليوم وأساميه ؛ ولا نستعد للتخلص من دواهيه. فنعود بالله من هذه الغفلة عن لم يداركنا الله بواسع رحمته"[11].

منقول من بحث جامعي

مروة.

[1] الاعراف 187.

[2] إحياء علوم الدين : ج 4/ص:547

[3] الجغيل المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ؛ للدكتور حسين محمد فهمي الشافعي.

[4] الاعراف : 32.

[5] الزخرف : من الآية 34.

[6] الزمر : من الآية :10.

[7] ابراهيم : من الآية 29.

[8] الإسراء : من الآية 7.

[9] الاشباه والنظائر في القرآن، لمقاتل بن سليمان البلخي (ت 150 هـ)/ص: 302-303 / تحقيق الدكتور عبد الله محمود شحاتة/الطبعة الثانية : 1390هـ/1975م/ الهيئة المصرية العامة للكتابة.

[10] في ظلال القرآن، م : 2/ج: 30/ص: 3712.

[11] احياء علوم الدين: ج 4/ ص 550.

شكرا لكي أختي على هدا الموضوع الرائع

ونطب من الله عز وجل أن يغفر لنا دنوبنا

شكرا لكي على المجهود

و في انتضار جديدك ان شاء الله

بارك الله فيك