اجتناب الظلم
إن تدمير الظلم لحياة البشر وتقويضه لصرح الأخوة الإسلامية، أمر معلوم بالضرورة لا يحتاج إلى شرح وإيضاح، والظالم عندما يعتدي على غيره، يعلم أنه ظالم، وليس المقصود هنا بيان ما ورد في الظلم من نصوص الكتاب والسنة وغيرهما من كلام العلماء بياناً شاملاً، وإنما المراد بيان أن الظلم من أعظم الأسباب المحطمة لصرح الأخوة الإسلامية، فإن المسلم إذا ظلمه أخوه المسلم سيحاول دفع الظلم عن نفسه ومن هنا يحدث النزاع والخصومات.
ولو فرض أن المظلوم صبر على ظلم ظالمه، فإنه لا يثق فيه ولا يأمنه على شيء من حقوقه، ولهذا كان الظلم من أول ما يناقض الأخوة الإسلامية، فيجب اجتنابه والقضاء عليه للمحافظة على رابطة الأخوة الإسلامية.
روى عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه...) الحديث. [البخاري (3/98) ومسلم (4/1996)].
فقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم) تقرير للأصل الذي يجب أن يكون بين المسلم والمسلم، وهو الأخوة الإسلامية المقتضية للود والصفاء وسلامة الصدور والنصح والتعاون بينهما، وقوله بعد ذلك: (لا يظلمه) تحذير من أهم العوامل المناقضة لتلك الأخوة، وفي طليعتها الظلم أي أن يظلم المسلم أخاه المسلم.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يسلمه) أنه يجب على المسلم أن لا يسلم أخاه المسلم إذا ظلمه أحد، بل يجب أن يدفع عنه الظلم إذا كان قادراً عليه، فالمسلم ليس منهياً عن ظلم أخيه المسلم فحسب، بل هو مأمور مع ذلك بدفع الظلم عن أخيه إذا صدر من غيره عليه ولا يسلمه له.
وفي حديث أبي ذر، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) [مسلم (4/1994)].
والآيات والأحاديث الواردة في التحذير من الظلم وبيان مخاطره وأضراره كثيرة جدا.
وإن من أعظم أسباب تأخر الأمة الإسلامية وخسارتها، انتشار الظلم بينها، الذي أصبح أمرا مألوفا، في بلدانها، حيث يظلم القوي فيها الضعيف، على مستوى الأفراد والجماعات والأحزاب والدول، فلا يجد المظلوم من ينصره على ظالمه، ولهذا سلط الله تعالى على الأمة كلها، أعداءها من اليهود والصليبيين والوثنيين عليها، تحقيقا لسنة الله في خلقه، عندما ينتشر بينهم السوء الشر، ويعم أرضهم الظلم والمنكر، فلا تقوم منهم فئة كافية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ على يد الظالم ودفع ظلمه عمن ظلم.
قال تعالى: ((واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب)) [الأنفال (25)]
وفي حديث حذيفة بن اليمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) [أحمد (5/388) و الترمذي 4(/468) وقال: "هذا حديث حسن"
إجتناب الظلم
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
” قال اللّهُ تعالى: يا عِبادي.. إنِّي حَرَّمتُ الظُلمَ على نَفسي وجَعَلتُهُ مُحَرَّما بينَكُم فلا تظالَموا ، يا عبادي.. كُلُّكُم ضّال إلاّ مَن هَديتُهُ ، فاستَهدوني أهدِكُم ، يا عِبادي.. كُلُّكُم جائع إلاّ مَن أطعَمتُهُ ، فاستَطعِموني أطعِمكُم ، يا عِبادي ، كُلُّكُم عار إلاّ مَن كَسوتُهُ ، فاستَكسوني أكسِكُم ، يا عبادي.. إنّكُم تُخطِئونَ باللّيلِ والنّهار ، وأنا أغفِرُ الذُنوبَ جَميعا فاستَغفِروني أغفِر لَكُم ، يا عِبادي.. إنَّكُم لَن تَبلُغوا ضُرّي فتَضُروني ولن تَبلُغوا نَفعي فتَنفَعوني ، يا عِبادي.. لو أن أوَلَكُم وآخِرَكُم وإنسَكُم وجِنَّكُم كانوا على أتقى قَلبِ رَجُل مِنكُم ما زادَ ذلك مِن مُلكي شيئا ، يا عِبادي.. لو أنّ أوَّلكُم وآخِرَكُم وإنسَكُم وجِنَّكُم كانوا على أفجَرِ قَلبِ رَجُل مِنكُم ما نَقَصَ ذلك مِن مُلكي شيئا ، يا عِبادي.. لو أن أوّلَكُم وآخِرَكُم وإنسَكُم وجِنَّكُم قاموا في صَعيد واحِد فَسألوني فأعطيتُ كُلّ سائِل مَسألَتَهُ ما نَقَصَ ذلك مما عِندي إلاّ كَما يَنقُصُ المِخيَط إذا أُدخلَ البَحرَ ، يا عِبادي.. إنَّما هي أعمالُكُم أُحصيها لَكُم ثُم أوفيكُم إيّاها ، فَمَن وَجَدَ خيرا فليَحمَدِ اللّه ومَن وَجَدَ غيرَ ذلكَ فلا يَلومَنّ إلاّ نَفسَهُ ”
(رواه مسلم والترمذي)
من أسماء الله تعالى الحسنى: العدل ، فكل ما يحكم الله به هو العدل ، ليس فيه ظلم قيد أنملة ، ولا يرضى من عباده بعضهم على بعض إلاّ بالعدل . فالظلم ظلمات يوم القيامة . إن دواعي ظلم البشر بعضهم لبعض كامنة في أنفسهم يثير نوازعها الشيطان . فالأثرة والأنانية وحب العلو والتسلط من الأسباب الرئيسة للظلم ولكن المؤمن الذي يُحب لأخيه ما يحب لنفسه(20 ، والذي لا يرضى الظلم لنفسه كيف يرضاه لغيره؟ المؤمن يضع نفسه مكان المظلوم فلا يعامله إلا بما يحب أن يعامَل هو به. فلا يمنع الناس حقوقهم التي فرض الله أداءها لهم ، وهو ينصر المظلوم ما إستطاع إلى ذلك سبيلا ولو بكلمة رجاء عند من ظلمه ، ولو بالدعاء إن لم يستطع غير ذلك . ولكن يجب أن يكون الدعاء بعد محاولة نصرته ثم عدم الإستطاعة . أما الغافل عن نصرة المظلوم وهو مستطيع ذلك فهو من جملة من ظلمه. وعلى ذلك فنصرة المظلوم فرض كفاية إذا قام بها بعض المسلمين سقط الإثم عن الجميع وإن لم يقم بها أحد أثم من كان مستطيعا دفع الظلم ولم يساعد في دفعه. قال صلى الله عليه وآله وسلم : ” إتَّقوا دَعوةَ المَظلومِ وإن كانَ كافرا فإنَّهُ ليسَ دونَها حِجاب ” (21)ـ
وقال سعيد بن المسيب: لا تملئوا أعينكم من أعوان الظلمة إلاّ بإنكار من قلوبكم لئلا تحبط أعمالكم الصالحة . وجاء رجل إلى سفيان الثوري ، فقال: إني أخيط ثياب السلطان هل أنا من أعوان الظلمة؟ قال بل أنت من الظلمة أنفسهم ، ولكن أعوان الظلمة من يبيع الإبرة والخيوط.
والظلم متعدد الأشكال ، فظلم النفس بتعريضها لمقت الله تعالى وغضبه بعدم إطاعة أوامره ، وظلم الأهل والولد بعدم إعطائهم حقهم أو إطعامهم الحرام أو عدم العدل بينهم ، وظلم الأمير لرعيته بعدم إعطائهم حقوقهم أو إيثار نفسه وخاصته عليهم وعدم المساواة بينهم وعدم تطبيق شرع الله بينهم ، وظلم المرأة عدم إطاعة زوجها وعدم الإهتمام بتربية أولادها ، وظلم ألأجير من استأجره بعدم إتقان عمله ، وهكذا . وكل هذه الأبواب مما حرم الله تعالى من الظلم.
وقد مر أن من أكبر أنواع الظلم: ظلم الضعفاء الذين لا يستطيعون أخذ حقوقهم كالأرملة واليتيم . وأن من أكبر أنواع الظلم الأخرى شهادة الزور وقول الزور قال تعالى: ” والّذين لا يشهدونَ الزورَ وإذا مَرّوا باللّغو مَرّوا كِراما ” (22) ، واليمين الغموس التي تغمس صاحبها في جهنم حين يحلفها وهو يعلم أنه كاذب إبتغاء إقتطاع حق غيره سواء إستفاد من ذلك هو أو غيره من الظلمة