كيف نفهم الأطفال؟ سؤال يتكرر كثيراً في منازلنا ويجول في خواطر العديد من الآباء والأمهات في زماننا هذا؟
ينجب الآباء أبناءهم ويودون لو كان الأبناء على أوفر حظ من الذكاء· وإذا كان الآباء والأمهات في زمننا هذا يهتمون بجمال الخلقة، وتمام الصحة إلا أنهم يرون في يقظة الطفل واستجابته لما حوله متعة كبيرة· والآباء مغرورون عادة بحب أبنائهم للدرجة التي تجعلهم يبالغون في تقدير أبنائهم، فالأب يرى ابنه أجمل الأطفال، ويراه عادة أذكى الأطفال جميعاً، وذلك لأنه يراه كما يحب أن يراه·
ونحب أن نرى أطفالنا أذكياء جداً لسبب بسيط وهو أنهم يعكسون في ذكائهم نوعاً من الوراثة، فذكاء الأبناء يأخذ في الغالب دليلاً على ذكاء الآباء، ونلاحظ ذلك عندما يتفوق الابن أو الابنة فأول ما يقال أنت شبيه أبيك أو الأم تقول أنت شبيه أمك وكلا الطرفين يتفقان داخلياً ونفسياً في أن الذكاء صفة موروثة في عموميتها، وهناك الكثير من البحوث والمقالات التربوية العلمية تناولت هذا الموضوع باسترسال ولكن شدني في معرض الكتاب الأخير الذي أقيم في إمارة الشارقة كتاب تناول هذا الموضوع بشيء من الموضوعية والسلاسة من خلال مادة علمية مبسطة تناسب الكثير كأولياء أمور ومعلمين وتربويين في أعناقنا مسؤولية اتجاه شريحة يبنى عليها أساس نمو هذا الوطن الغالي ألا وهم الطلاب بمختلف فئاتهم ومستوياتهم وقدراتهم التعليمية وهذا الكتاب هو المحطة الثانية في أجندة القراءات الصيفية لهذا العام وهو بعنوان (أطفالنا الموهوبون) تأليف (بول ويتي) وترجمة الدكتور (صادق سمعان) من جامعة عين شمس، وهو من سلسلة كتب تبحث في دراسات سيكولوجية في فهم الأطفال ويتناول الكتاب في مباحثه خمسة فصول تتناول الموضوع ففي الفصل الأول يتطرق الكاتب إلى تعريف الموهوبين من الناس بشكل عام والأطفال بشكل خاص من الناحية العقلية وأنواع الموهوبين ثم يتناول الفصل الثالث المراحل والصورة الحقيقية للموهوبين وكيفية نموهم في المجتمع الذي ينشأون فيه وشعورنا نحو الموهوبين من أبنائنا حيث اعتدنا خلال الأجيال المختلفة إذ ننظر إلى أطفالنا الموهوبين نظرة يختلط فيها الحسد والخوف والتهكم ونحن نتمنى أن يكون أبناؤنا أذكياء ولامعين ومتميزين بين أقرانهم وفي مدارسهم وعلى شق طريقهم في الحياة بنجاح، ثم يتناول الفصل الثالث مشكلات الموهوبين ونظرة الآخرين لهم بالاستغراب والاستهزاء أحياناً وذلك لعدم قدرة الآخرين على فهمهم ومجاراة موهبتهم وكذلك يتناول الفصل الثالث إهمال الأسرة والمجتمع أحياناً لذلك الموهوب وعدم الاكتراث بهم وهنا المسؤولية ليست فردية بقدر ما هي مسؤولية جماعية يشترك بها أطراف عدة منها الأسرة والمدرسة والمجتمع والمؤسسات التربوية التعليمية في الدولة، كما يتناول الكاتب احتياجات الموهوبين من أطفالنا معنوياً ومادياً ونفسياً فكثيراً ما يبهر الآباء بأطفالهم فينظرون إليهم من زاوية واحدة بدلاً من أن ينظروا إليهم كشخصيات لها كليتها وجملتها فهم أحياناً لا يرون فيهم سوى عقول جبارة قادرة على القيام بعمليات رياضية متقدمة أو أيد قادرة على الإبداع والعزف والرسم متناسين سرعة نموهم في النواحي الانفعالية والاجتماعية فقد لا توازي سرعة نموهم العقلي وبذلك قد يفقد هذا الطفل الموهوب الأمن والأمان النفسي رغم تفوقه وموهبته خاصة عندما تقتل موهبة هذا الموهوب في المجتمع المدرسي وذلك لعدم قدرة بعض المعلمين أحياناً على إبراز وتفهم هذا الطالب وهنا يأخذنا هذا الفصل إلى ضرورة التنسيق مع المؤسسات التربوية ومناطقنا التعليمية في تأهيل معلمين متخصصين في كل مدرسة لتبني هؤلاء من طلابنا وهنا للحديث في هذا المجال وقفات أخرى قادمة، كذلك يتناول الفصل الرابع من هذا الكتاب طرق الكشف عن الموهوبين بدءا من المنزل ثم المدرسة ثم الميدان العملي في المجتمع وعملية الكشف عن الموهوبين أمر ليس يسيراً بحال من الأحوال ولكن ليس معنى هذا أنه لا توجد أساليب وطرق لهذا الأمر بل تطرق الكاتب إلى الأساليب والطرق المناسبة التي يمكننا أن نستخدمها للبحث والكشف عنهم، ثم يتناول الفصل الأخير وهو الفصل الخامس دور المدرسة الاساسي في الكشف عن الموهوبين والمسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتق المربين والمسؤولين والقادة التربويين في التقدير الدقيق لقدرات ومواهب هؤلاء الأطفال·
وهو لاشك عبء كبير وخطير يقع على عاتق ذلك المربي الذي يلتقي بهؤلاء الموهوبين يومياً الا وهو المدرس والمدرسة، الذي كثيراً ما يتعرض اليوم للذم واللوم على الرغم من تعرضه لكثير من الارهاق وكثرة الأعمال والصعوبات التي تقف عائقاً أمام الكثير من أحلامه وانجازاته التي كثيراً ما حلم في تنفيذها حين يتولى زمام مهمة هذا العمل التربوي الجليل، فإذا أخفقت المدرسة في اكتشاف الموهوبين كان المعلم هو المسؤول عن هذا الاخفاق والتقصير هذا المعلم الذي قد يربو عدد تلاميذ صفه على الثلاثين، هنا يجب عليه أن يغض النظر عن مسؤوليته في اكتشاف الموهوبين وتوجيههم فليس من الغريب إذا أن يخفق المعلم أحياناً في هذا الجانب من رسالته حتى ولو كان ملماً بأساليب فرز الموهوبين من بين جموع التلاميذ من البنين والبنات··· وهكذا يختم المؤلف كتابه بتوصية في ضرورة توفير كل الفرص المتاحة والمعينة للمعلم في تيسير عمله كونه الحلقة الأقوى في هذا الموضوع· وإلى قراءة في كتاب آخر·