{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }
يقول الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم اذكر عندما كان إبراهيم يرفع القواعد من البيت .. وجاءت {يَرْفَعُ} هنا فعلا مضارعا لِتصويرِ الحدث الآن وفي المستقبل.
ولكن هل يرفع إبراهيم القواعد من البيت الآن؟ أم أنه رفع وانتهى؟ طبعا هو رفع وانتهى، ولكن الله سبحانه وتعالى يريد أن يستحضر حالة إبراهيم وإسماعيل وهما يرفعان القواعد من البيت .. والله يريد من المؤمنين أن يتصوروا عملية الرفع، فلم يكن إبراهيم يملك سلما حتى يرفعه ويقف فوقه، ولم يكن يملك "سقالة" .. ولكن غياب هذه النعم لم يمنع إبراهيم من أن يتحايل ويأتي بالحجر.
إن الله يريد منا ألا ننسى هذه العملية، وإبراهيم وابنه إسماعيل يذهبان للبحث عن حجر، ولابد أن يكون الحجر خفيف الوزن ليستطيعا أن يحملاه إلى مكان البناء .. ثم يقف إبراهيم على الحجر وإسماعيل يناوله الأحجار الأخرى التي سيتم بها رفع القواعد من البيت. ورغم المشقة التي يتحملها الاثنان .. هما سعيدان .. وكل ما يطلبانه من الله هو أن يتقبل منهما. والقبول والمقابلة والاستقبال كلها من مادة مواجهة .. أي أنهما يسألان الله في موقف المعرض عن عمله، إنهما لا يريدان إلا الثواب: {تَقَبَّلْ مِنَّآ} أي أعطنا الثواب عما نعمله لأجلك وتنفيذا لأمرك.
وقوله تعالى: {إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ} .. أي أنت يا رب السميع الذي تسمع دعاءنا وتسمع ما نقول .. "والعليم" .. العليم بنيتنا ومدى إخلاصنا لك .. وإننا نفعل هذا العمل ابتغاء لوجهك ولا نقصد غيرك .. ذلك أن الأعمال بالنيات، وقد يعمل رجلان عملا واحدا. أحدهما يثاب لأنه يعمله إرضاء لله وتقربا منه والآخر لا يثاب لأنه يفعله من أجل الدنيا.
والله سبحانه وتعالى عليم بالنية فإن كان العمل خاصا لله تقبله، وإذا لم يكن خالصا لوجهه لا يتقبله .. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه). إذن فالعمل إن لم يكن خالصا لله فلا ثواب عليه.