ليلة اعدامي
انتبهت
على باب الزنزانة يفتح غريب دائما يفتح بصعوبة مع ان ليس هناك ابواب تفتح
و تغلق اكثر من ابواب الزنازن هذا الحارس المناوب يقرفني بكلامه و نفاقه
ومع هذا سلوكه اليوم كان اكثر من مثاليا لقد حياني و سالني عن المكان الذي
يضع فيه العشاء لم يتكلم كثيرا كعادته نظرت برهة الى صينية الاكل ثم
انتفضت مسرعا الى باب الزنزانة ما دار بخلدي و ان اتامل نوعية الطعام كان
صحيحا انا الوحيد الذي اكرم هاته الليلة انها اذا ليلتي.عدت الى سريري و
جلست راقبت السجان و هو يخرج ثم يختلس مني نظرات هي بالتأكيد نظرات اشفاق
ابتسمت له و لو لم يكن خارج الزنزانة لعانقته ابتسم و لاحضت ان له ابتسامة
رائعة و كأن شيئا يضيئ وجهه حينما يبتسم.
نظرت
الى عشائي كانت الصراصير قد تجمعت حوله واخذت تبحث عن منفذ لاقتحامه لاول
مرة لم تأتيني الرغبة في سحق هاته المخلوقات الزاحفة بل ازحت الاغطية عن
الاكل و تركتها تلعب و تمرح و ان اراقبها محاولا الاحساس بما تشعر به من
سعادة شهقت بعمق و انا اسبر اعماق نفسي هل انا خائف كلمة خوف بحثت عنها
في مشاعري لم استطع ملامستها مع اني كنت اعيش في كوكبها منذ زمن ليس
بالبعيد اكبر بها و اتلاشى من دونها الخوف كنت اراه في اوج جبروته في عيون
الكبار و الصغار حينما انتصب امامهم بسلاحي و بنظراتي المليئة بالتفوق كان
الخوف في ارتجاف الاخرين يغذي احساسي بالشجاعة و الامان.الشجاعة هل انا
احسها الآن كل ما اشعر به هو لا مبلاة بأي شيئ.آخر مرة احسسست بالشجاعة
كان في قاعة المحكمة كنا خمسة في القفص و كنت ارى الخوف في وجوه كل
الحاضرين كلهم كانو يتحاشون النضر في عيوننا .تكلم النائب و صوته يتقطع من
حين لأخر و كلما عد تهمة من تهمنا صحنا الله اكبر وحينما وصل الى تهمة
تكوين عصابة اشرار صحنا بقوة جماعة مجاهدين.........جماعة مجاهدين......و
لم تنجح لا نداءات القاضي و لا تاهب الشرطة في اسكاتنا.بعد كلام كثير
للنائب العام و محامي الدفاع الذين كان حضورهم شكليا نطق القاضي بالحكم
انه الاعدام هذا الحكم كان فخرا لنا و هل هناك فخرا اكبر من يكرهك عدوك
الى درجة انه يصفيك جسديا خرجنا من قاعة المحكمة مهللين مكبرين كنا نحن ظل
الله في الارض اما قاعة المحكمة وكل من فيها فلم تكن سوى حفرة صغيرة مليئة
بالديدان المقززة.
في
السجن كنا سجناء فوق العادة فليس لادارة السجن سلطة علينا سوى سلطة منعنا
من الخروج اما تحركاتنا في الداخل فهي امر محسوم للجماعة و لاميرنا غريبة
القوة لتي كنا نتمتع بها فالحراس كانو يتمنونا رضانا و يضهرو لن مدى
تعلقهم بأفكارنا فهم يخشون ان تمتد ايدينا الى خارج السجن فتمحقهم ام تمحق
احدا من ذويهم كنا نعلم انهم ينفاقون وكنا نجد لذة كبيرة في اذلالهم كنا
اقوياء باستعدادنا للتضحية في سبيل ما نؤمن به و كانو جبناء متخاذلين ما
اذل الانسان و اضعفه حينما تكون المحافضة على حياته هي هدفه لاسمى.
كان
عمري اربعة وعشرين سنة عندما دخلت المسجد بعد انقطاعي عنه مدة طويلة كان
الوقت عشاءا هناك شيئا تغير القاعة مليئة بالمراهقين ذوي اللحى الخفيفة
وقفنا للصلاة الوقفة تغيرت شباب يؤنبونك على وقفتك او على وضعية يديك لما
انتهت الصلاة هممت بالخروج الا انني رايت كثيرا من الشباب يجلسون في حلقة
يتوسطهم شاب حسن المظهر كثير التبسم اخذت مكانا بالقرب منهم و اطرقت استمع
لهذا الشاب لقد كان يحدث عن المنكر و عن النهي عنه كلامه كان جديدا
بالنسبة لي وكان لذيذا لقد كان يلج برفق الى اعماقي و يستقر فيبعث
الطمانينة في كل جسدي.
انا مهم في هذا الكون الى هذه الدرجة انا مكلف من السماء بمعاقبة المفسدين و دحر اعداء الله
هؤلاء
الاغنياء المتعالين هو الله من وهبهم و امولنا في رقابهم وعليهم ان
يدفعوها لنا صاغرين هاته النساء المتعطرات المتبرجات لسن سوى كائنات من
ضلع اعوج و يجب وضع حد لسفورهم
هؤلاء
الذين يسمون انفسهم مثقفين و هم في الحقيقة ليسو سوى ملاعين قد وضعو
اقلامهم في خدمة الشيطان لا ثقافة الا الكتاب و السنة و لا حضارة الا
حضارة الدين
تغيرت
نظرتي للناس لم تعد عندي حلول وسط فهم اما مؤمنين و اما كفار حتى والدي و
اخوتي لم يسلمو من هاته القاعدة فأنا أأنب امي اشد التانيب اذ سلمت بيدها
على عمي و تجدني اعاتب ابي لتسامحه مع اختي علاقتي مع اختي تحولت الى
علاقة خوف فالاخوة في الأيمان فقط لم يبقى في قلبي مكانا للحب حتى حب
الوطن ذبحته تحت قدم دولة الله التي اصبو اليها كنت متأكد انني لاول مرة
احمل في زندي و ساعدي الحقيقة المطلقة التي ليس بعدها حقيقة افكاري غير
قابلة للنقاش و حكمي لا يحتمل النقض.
عندما
التحقت بالجبال كانت قد مرت اربعة سنوات على زواجي تعلمت استعمال السلاح
وزرع القنابل و استجواب الطواغيت كلمة طاغوت لم تكن تعني فئة من الناس و
لا صفة للبعض منهم و انما هي قائمة مفتوحة لدى الامير يثريها من وقت لأخر
حسب مزاجه و متطلبات المعركة كانت هذه القائمة تضم الشرطة الجيش و الدرك
ثم اتسعت لتشمل الجمارك و عمال الضرائب ثم كل من لا يخضع لافكار الجماعة.
عندما
كنا نقتحم المداشر كان الناس يغلقون ابوابهم و يراقبوننا من السطوح و
النوافذ لقد كان الخوف يشل حركتهم فهم اصبحو مثل قطيع بقر وحشي هارب خائف
و متوتر لا يدري في اي جهة يجد الامان لقد تخلت الدولة عنهم ليس طوعا و
انما عجزا وكان عليهم ان يحيو وسط هذا العالم المصنوع من التخويف و القمع
و الذبح
عندما
دققنا احد الابواب بعنف كنا نسمع جلبة داخل البيت لقد عرفو من نحن و
لن يفتحوا حتى يخفوا كل شرائط الغناء و كل الكتب التي لا ترضى عنها
الجماعة فتح الباب اخيرا رجلا في الخمسينات فاتحا كلتا ذراعيه لا ليسلم
علينا و انما ليمنع ابنيه الواقفين وراءه من التقدم نحونا دفعه الامير
بهدوء ودخلنا الى حوش الدار وراء الباب كانت هناك براميل مملوءة بالرمل و
بعض الادوات لتي يستعملها الاهالي منذ مدة لاحكام اغلاق ابوابهم في وجوهنا
وضع الامير يده غلى كتف الرجل الذي ارتجف و خفض كتفه حتى كادت تلامس الارض
قال الامير بلغة القوي الهادئ لقد وصلنا خبر ان لك بنتا في الثالثة عشرة
و مع هذا فهي تخرج الى المدرسة بدون حجاب ثم اردف اذ كنت لا تستطيع ان
تلجم اهل دارك فالجماعة بمشيئة الله تستطيع حاول الرجل ان يتكلم حاول
مرارا وعندما خانه صوته اجهش بالبكاء عند ذالك خرج الامير و اشار لنا
بالخروج تاركين الرجل في بكاءه الذي تحول الى نحيب.لم اعرف لماذا بكى
الرجل لكن في ليالي السجن الطويلة فكرت في الامر و أدركت ان الرجل كان
يتالم لعجزه عن توفير الحماية لابنته و ربما احس انه منذ الان لن يستطيع
ان يفي باي وعد يقطعه لاهله لقد مات شيئا ذا قيمة في قلب الرجل ماتت ابوته
و الى الابد.
كان
هذا انذارا من الجماعة ولم يبقى للرجل الا حلين اما الرضوخ لأمر الجماعة
او تهريب ابنته الى المدينة عند احد اقربائها . الطبيعة القاسية للجبل
طبعت قلوبنا فقد اخذنا من الصخر صلابته ومن الاشجار كبريائها و عنادها ومن
الذئاب والخنازير وحشيتها .
عندما
تكون مطاردا وعندما تكون مأواك الجحور و الكهوف عندما تمر عليك شهور لا
ترى فيها طفلا يضحك وامرأة تحتضن طفلها فانك تتحول الى مجرد اداة للانتقام
... كان الامير يقرأ علينا البيانات , وقد استوى في جلسته , لحيته المخضبة
بالحناء كانت ترتعش وهو يزودنا باخر الاخبار , كان كلما قرأ خبرا يصمت
برهة ليفتح لنا المجال لنكبر و نحمد الله , في القرية الفلانية أحرق
الاخوان مزرعة لآحد الطواغيت , وفي المنطقة الفلانية قتل الاخوان ثلاثة من
الشرطة , فنصيح مهللين لا نفكر في مأساة صاحب المزرعة ولا في من يبكي على
المذبوحين .
لم
يكن الذبح اداة فقط للتصفية الجسدية وانما كان الوسيلة التي تبعث الرعب في
قلوب خصومنا ... لم يكن احدا يفكر فينا الا ويمتلكه الفزع من خناجرنا و
سواطرنا , عندما نقبض على احدا ونزج به في غياهب الغابة كان همه الوحيد هو
التوسل لنا بعدم ذبحه و بقتله بأي طريقة أخرى لكن اميرنا كان يعشق هاته
الوسيلة للقتل وكان يعاينها معاينة دقيقة , فهو لايبرح المذبوح حتى يكمل
تخبطه في دمائه و يسلم الروح الى بارئها...
اتذكر
يوم كسرنا احد الابواب ودخلنا بيت احد افراد الامن الذي اتى لزيارة اهله ,
كانو على مائدة العشاء لما رانا هب واقفا وقد اصفر وجهه, التصق بالجدار
لقد ايقن ان مصيره بأيدينا . الامير ذهب اليه وطلب منه سلاحه , امه
العجوز ذهبت مسرعة الى الغرفة احضرت المسدس وناولته للامير الذي نظر الى
الغنيمة و ابتسم ثم قال للعجوز يا امي نحتاج ابنك بعض الوقت خارج الدار
ثم يعود , كل الناس كانو يعلمون ان ليس هناك احد خرج معنا وعاد , لم
تصدقه الام و ارتمت على اقدام الامير تقبلهما وتستعطفه راجية منه مسامحته
هاته المرة وسوف لن يعود الى الخدمة في الشرطة .
الامير
لم يجد بد من قذفها برجله لترتمي بعيدا وطلب من زوجها امساكها , ذهب الزوج
المفزوع الى زوجته وامسكها بقوة اما نحن فلم نكد نخرج من الدار حتى كتفنا
الرجل واقتدناه وهو يتوسل بعدم ذبحه , قال" اقتلوني بمسدسي , فأمي لن
تتحمل رؤيتي مذبوحا" ... لم يرد عليه احد سرنا به الى مشارف الغابة , قال
الامير هنا , هرعنا الى الرجل الذي لم يبدي اي مقاومة لقد سقط لوحده ارضا
فسمعت عضامه تتكسر وضع زميلي ركبته على صدره وفي لمح البصر كان راسه قد
انفصل عن جسده وعمت رائحة الدم المكان , شخيره كان يسمع على بعد عشرات
الامتار , كان لا يزال يتخبط عندما فوجئنا بشبح يرتمي على الجثة ويمسك
بالراس ويحاول الصاقها بالجسد كانت امه العجوز تبعت اثرنا دون ما ندري ,
لم تنظر الينا فلم يعد من شيء تطلبه منا تركناها جالسة امام جثمان ابنها
وراسه في حجرها وهي تبكي وتناجيه , كانت تلومه على انه خالف رأيها واتى
لزيارتها .
الآن
لا زلت اتذكر تلك الرقبة وهي تنفث الدم ساخنا و اتساءل من قتل من هل هو
قتلنا ام نحن قتلناه هل من الممكن ان يكون الله قد امرنا بارتكاب كل تلك
الفظائع هل امعان المعسكر الآخر في اهانتنا و تعذيبنا و قتلنا مبرر كاف
لفعل كل هذا هل اصبحنا اقوياء الى درجة فقدان انسانيتنا ام ان ثقافة الموت
هي هكذا لا مكان فيها لحياة الافراد لكن حتى انا هل لهم الحق في اعدامي
هل ما فعلت سبب كاف لاخراجي من هاته الحياة بكلمة من القاضي هل قتلي سيغير
شيئ ام هو مجرد ثأروكفى.
اتذكر
بنتي و احاول تخيل تقاطيعها لم تكن ابدا عنصر مهم في حياتي كانت فقط تحصيل
حاصل لزواجي لقد سميتها جهاد لما بلغت سن الثالثة البستها الحجاب رغم
معارضة امها كنت اراقبها و هي تجري مع اترابها وتتعثر في جلبابها فتسقط
ارضا ثم تنهض و تمسك اطراف جلبابها بيدها فانهرها لانها كشفت عن ساقيها هل
كنت قاسيا لا ادري هل ستحتفظ بنتي بهاته الذكريات اكيد لا فهي لم تراني
منذ ان كان عمرها اربع سنوات
اشعر
كأن خنجرا ساخنا يربض في صدري وكلما تذكرت حياتي الماضية ازدادت حرارته لا
اريد ان اتذكر ليتني انام لكن الذكريات تقتحم راسي دون استئذان انها
الذكرى التي تؤلمني هاهي اتت كان من الممكن ان تكون النور الذي يبدد ذاك
الظلام الذي كنت اعيش فيه كانت استفاقة قصيرة ثم ما لبثت ان عدت الى سباتي
كان يوما ماطرا القت الجماعة القبض على استاذ موسيقى كان يتكلم كثيرا و
كنت مكلف بحراسته كان دائم الاسئلة اين نحن من اي قرية انت لم اكن ارغب
في التكلم معه قال لي ان في جيبي بعض الحلوى لكني مقيد لا استطيع
تناولها نظرت اليه و قلت الست خائفا رد و هو يبتسم لماذا اخاف انا متاكد
انهم قبضوا علي خطئ و سوف يطلقون سراحي فانا لست سوى معلم موسيقى ربما كان
يجهل اننا نكفر الموسيقى و من يلقنها للناس تقدمت نحوه و قلت له ان
الموسيقى كفر و هي مزمار الشيطان بل هي الشيطان نفسه الذي يوسوس للناس و
يدفعهم الى المجون والانحلال خفت ذالك الضياء الذي كان يكسو وجهه و اطرق
هنيهة ثم قال ترى هل هناك فرق بين ان ترتل القرآن مجودا و ان تقرأه مثلما
تقرأ الرسالة قلت الفرق كبير جدا فقال بصوت من خاب ضنه هذا الفرق الكبير
هو اللحن هو الموسيقى غضبت اشد الغضب من كلامه و نعته بالشيوعية و الالحاد
اما هو فسكت ولم يتكلم بعد ابدا لكن في الليل فكرت في في امره و لا
ادري لماذا اشفقت عليه ذهبت اليه متخفيا و فككت رباطه و قلت له انطلق نظر
الي و ذهب يجري لكني لم اكد اعود الى مخدعي حتى سمعت طلقات رصاص لقد
اصابوه و هو هارب اتو به يجرونه الى المعسكر كان مصاب في رجله و يصرخ من
الالم كان هم الامير هو معرفة من اطلق سراحه ساله و ساله و كان صراخه
يزداد عند ذالك امر الامير بالاجهاز عليه.
غريب
ما اشعر به سوف اعدم في اللحضات الاولى من الفجر و لم استوعب كليا الموقف
كأن هذا مجرد تمثيل هل من الممكن ان تقع معجزة تمنعهم من اعدامي سياتي
الحراس و يقتادونني عبر الدهاليز علي ان اكون هادئا و عندما اتكلم يجب على
نبرات صوتي ان تكون متوازنة لا تتخللها حشرجة القلق عندما اقف في ساحة
الاعدام و عندما تصيبني الرصاصات هل سأتالم هل ساصرخ ليتنا كنا نستطيع ان
نموت مرتين كي نحسن من موتتنا في المرة الثانية.
راسي
يكاد ينفجر و الانوار أطفئت لا يجب ان انام هاته الليلة لا اريد ان
افاجأ بالحراس يدخلون زنزانتي ساعدم في الصباح و لن تسقط السماء و لن
تزلزل الارض كم احن لطفولتي البريئه اني ابحث عن ذالك الطفل في غياهب نفسي
فلا اجده اين ذهبت تلك النفس التي تبكي ان حزنت و تضحك ان فرحت و تكسر ان
استفزت هل رحلت و لم يبقى منها شيئ في داخلنا من المؤسف ان يكون هذا هو
المصير المحتوم للطفل انها نهاية تراجيدية لاجمل شيئ فينا.
اني
اشعر ببعض السعادة لكنها ليست سعادة بالمعنى الصحيح ربما هو قبول بالامر
الواقع فنهايتي بهذا الشكل هو ثأر منصف لخصومي ا احس بهدوء و سكينة راسي
كأن اداة ثقبته و افرغته من كل شيئ.
صوت
الزنزانة فتح اربعة حراس دخلوا نظرت اليهم و جلست على سريري كانت الصرامة
بادية على وجوههم نهضت واقفا و ابتسمت قلت في نفسي شيئ رائع ان انام ليلة
اعدامي