بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال لفضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم بارك الله فيه :
((هل يحاسبنا الله بمانقوله في داخلنا، مالم نتلفظ به!!! .. حيث قرأت في سورة البقره قوله تعالى (( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله )) .. يعني نحاسب به!!
في نفس الوقت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول (( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثوا به أنفسهم مالم يعملوا أو يتكلموا به "))
الجواب :
هذه الآية منسوخة ، فإن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم و رضي الله عنهم لَمَّا نَزَلت هذه الآية شقّ عليهم ، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ فَقَالُوا : أَيْ رَسُولَ اللَّهِ ! كُلِّفْنَا مِنْ الأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ ؛ الصَّلاةَ وَالصِّيَامَ وَالْجِهَادَ وَالصَّدَقَةَ ، وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الآيَةُ وَلا نُطِيقُهَا . فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ؟ بَلْ قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ . فقَالُوا : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ .
قال أبو هريرة رضي الله عنه : فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي إِثْرِهَا : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ )
فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)
قَالَ : نَعَمْ
{( رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا )
قَالَ : نَعَمْ
( رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ)
قَالَ : نَعَمْ
(وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )
قَالَ : نَعَمْ . كما في صحيح مسلم .
وفي حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : ( وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ )
قَالَ : دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا . قَالَ : فَأَلْقَى اللَّهُ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )
قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ
( رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا )
قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ
( وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا )
قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ . رواه مسلم .
وقوله صلى الله عليه وسلم : إن الله تجاوز عن أمتي ما حدّثت به أنفسها ، ما لم تعمل أو تتكلم . رواه البخاري ومسلم . دالّ على أن الإنسان لا يُحاسب عما في نفسه إذا كان حديث نَفْس أو هاجس أو خاطر . أما إذا كان عَزْمًا أو هَـمًّا ، فإنه يُحاسب عليه