يعد التعامل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من أصعب المشاكل النفسية والاجتماعية التي تتعرض لها الأسرة، فقد يدفع الأبوان بحسن نية الطفل المعاق إلى مزيد من المشاكل والانحرافات أو قد يسيران معه على درب التطور والنجاح.
يؤكد شعبان إخصائي نفسي لذوي الاحتياجات الخاصة أن نجاح المعوق في الحياة يبدأ من البيت ويحتاج إلى مجهود وصبر وإرادة قوية، ويعتمد أساسًا على الأم؛ لأنها الملاصقة للطفل؛ فالأم هي العامل الأساسي لا بد أن تواظب على العيادة والمدرسة وتنفذ تعليمات المدرس حرفيًا، وكم من أمهات وأولياء أمور أهملوا ويئسوا فضيعوا ودمروا أولادهم، وكم من أمهات حققن إنجازات لا يستطيع الطفل الطبيعي أن يحققها.
تؤكد الأرقام أن في العالم العربي نحو 15 مليونا من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ لذلك نقدم لكل من لديه طفل - مختلف – له احتياجات خاصة نماذج لأطفال نجحت أسرهم في مساعدتهم على اكتشاف أنفسهم واكتشاف قدراتهم ليبتسموا للحياة وليشعروا بأيادي الأمل تمتد نحوهم، ليعيشوا حياتهم الطبيعية كأي إنسان عادي معتمد على نفسه.
محاسب ماهر
"أ.م" عندما بلغ السنة الأولى من عمره اكتشفت أمه عدم استطاعته النطق وعدم استجابته لها والتواصل مع من حوله، فإذا نظرت إليه انصرف بعينيه عنها، وإذا مدت يديها لتحتضنه يرفض ذلك بشدة؛ فانطلقت به إلى الطبيب الذي أخبرها أن ابنها مصاب بالتوحد. لم يتمكن منها اليأس وقررت أن تبذل كل ما في وسعها من وقت وجهد لتتقدم به على درب الحياة، فواظبت على العيادة والتزمت بتعليمات الإخصائي في متابعة ابنها، وتعليمه الآداب المختلفة والتواصل مع من حوله حتى بلغ الثامنة من عمره فألحقته بمدرسة عادية، إلا أنه كان أكبر من أطفال السنة التي التحق بها وصاحبته بالفصل إخصائية تربية خاصة تعيد له شرح الدروس بطريقة مناسبة له بعد أن تشرحها مدرسة الفصل للأطفال الطبيعيين.
وحرصت الأم على التواصل مع المدرسة بزيارتها والتزام كافة التعليمات وأداء الواجبات المنزلية لابنها، وبحكم مرضه كان يقتصر على أكل نوع معين من الطعام فتعاونت الأم مع المدرسة على تدريبه في البيت والمدرسة على ذلك. وهكذا استمرت الأم صابرة صامدة واضعة نصب عينيها هدفا نبيلا وهو نجاح ابنها في حياته، فزرعت الثقة بنفسه فجعلته مؤمنًا بأنه يستطيع أن يحقق إنجازًا؛ حتى انتهى من تعليمه الجامعي بكلية التجارة، ويعمل الآن بشركة استثمارية وتقاريره ممتازة ووصل إلى درجة رئيس قسم.
معارض للزهور
تقول سلوى أحمد ـ مريضة بداون ـ أنها تعمل في مجال تنسيق الزهور هي وست من زميلاتها فهي تهوى الزهور وتجد متعة في تنسيقها، كما تجد إقبالا من الناس على إنتاجها فقد حققت نجاحًا ورواجًا في هذا المجال؛ حيث استطاعت بمساعدة المشرفين والإخصائيين في المؤسسة الخاصة التي كانت تتعلم بها أن تقيم معارض في الفنادق والمدارس، كما استطاعت هي وزميلاتها بمساعدة مدرسيها أن يوزعن إنتاجهن من خلال المحلات.
مزارع ناجح
أما "م.ع" ـ معوق ذهنيًا إعاقة خفيفة ـ فقد تقبله والداه راضيين بقضاء الله وقدره، لكن لم يعزلوه عن المجتمع بل حرصا على اختلاطه بالأطفال ليتعود الحياة الاجتماعية، كما حرصا على ذهابه إلى المدرسة العادية كمستمع مع عدم تقييده في سنة معينة، فحضر في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، وكان والده يصطحبه في كافة الأنشطة التي يقوم بها حتى أصبح شبه سوي ومؤهلا لممارسة الحياة معتمدًا على نفسه، فأعطاه الفرصة للخروج بمفرده والتعامل مع الغير.. كما علمه والده الزراعة في أرضه التي يمتلكها.. حتى وصل إلى سن الزواج فتزوج ولديه الآن ولد وبنت طبيعيان.
تفوق رغم تعدد الاعاقات
ريبيكا أندروز ـ من مؤسسة الداون ستدروم العالمية بلندن ـ تبلغ من العمر 16 عامًا تسلمت جائزة إرشاد الفتيات في 30 نوفمبر 1999 وهو أعلى تقدير يمكن أن تتلقاه مرشدة. يقول والداها نحن فخورون بها حيث إنها عملت بجد كي تنال هذا التقدير وهذه الجائزة؛ فكان عليها أن تتعلم وتقوم بكل شيء مثلما تفعل الفتيات العاديات ولم تتلق أي إعفاءات، الشارات الخاصة بها تملأ ظهر وشاحها أيضًا، لكن كان عليها مغادرة المؤسسة بمجرد حصولها على جائزة "بادين باول" للمرشدات.
وبالرغم من أن ريبيكا تفتقد الإرشاد والمرشدين فإنها اتجهت الآن إلى ركوب الخيل بدلا من الإرشاد، ولديها العديد من أصدقاء المراسلة، وتهوى السباحة ولعبة البولينج، وتحب الموسيقى، وهي تحب الملابس الشبابية، ولديها روح دعابة ومرح.
للعلم.. ريبكا ليست فقط بنت (داون) ولكنها أيضًا مسجلة كضريرة، ومريضة بالسكر، ولديها مشاكل صحية أخرى
طموح علمى
أما أميمة عبد العزيز ـ كفيفة ـ مدرسة بمدرسة النور للمكفوفات، فبذل والداها كل جهد للوصول بها إلى أعلى الدرجات العلمية، خاصة والدها الذي شجعها على طلب العلم حتى حصلت على ليسانس الآداب قسم الفلسفة، وساعدها في قراءة الكثير من الكتب ومواصلة دراساتها العليا حتى حصلت على الماجستير، وهي الآن باحثة بالدكتوراه، وموضوعها دليل العناية عند فلاسفة الإسلام. وقد كان تشجيع والديها العامل الأساسي لنجاحها الدراسي، فقد ساعداها على القراءة والشرح ويشجعانها دوما للحصول على أعلى الدرجات العلمية.