سلــ ( 3) ــسلة ... ( أتوب .. وأعود ) الحمد لله الذي لا ناقض لما بناه.. ولا حافظ لما أفناه.. ولا مانع لما أعطاه.. ولا رادّ لما قضاه.. ولا مظهر لما أخفاه..ولا ساتر لما أبداه.. ولا مضلّ لمن هداه.. لا هادي لمن أعماه..
أحمده سبحانه حمدا لا ينقضي أولاه ولا ينفد أخراه.. فالحمد لله....
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.. صلى الله على محمد ما تحركت الألسن والشفاه..
وعلى آله وصحبه صلاة دائمة تدوم بدوام ملك الله.. ثم سلم تسليما كثيرا.
أما بعد
ففي جلسة مناجاة مع النفس ومحاسبة لها على تفريطها.. ساءلت نفسي وساءلتني..
كيف تعرف الله ، وتقرين بنعمه عليك ظاهرة وباطنة ثم تبارزينه بالمعاصي في الليل والنهار..؟!
وقلت لها: أما تخافين
الخسف..؟! أما تخافين
العقاب..؟!وقلت لها : ألا تتوقين الى
الجنة بحورها وحريرها ونعيمها الذي
لا ينفد..؟!ألست تهربين من النار بزمهريرها وأغلالها وعذابها الذي لا ينتهي..؟!
ثم قلت لها: اختاري..
فقالت أتمنى يوما
أتوب فيه الى الله..
فقلت لها: أنت في الأمنية فاعملي..
قالت: فكيف..؟! صف لي الطريق.. وبيّن لي العقبات.. قل لي.. كيف أتوب..؟!!أخي التائب.. لا بد أن تعلم أن أول الطريق وقفة.. والسير في الطريق عمل.. وزاد الطريق توبة..
واعلم أن الموت يأتي فجأة.. يقول ربنا سبحانه وتعالى:
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ
وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ
(55)أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ
تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)} [الزمر 53-59].
واعلم أخي التائب أنك تطلب السعادة.. وتروم النجاة.. وترجو المغفرة.. يقول ربنا:
{ وإني لغفّار لمن تاب وعمل صالحا ثم اهتدى} [طه: 82]...
فالتوبة ـ أخي التائب ـ هي ملاك أمرك.. هي مبعث حياتك.. هي مناط فلاحك.
أخى لا تؤجل التوبة الى الله حـــــــــــــان الوقت لتتوب الان
علامات التوبة الصادقة
فيا ترى أيها الأحبة في الله ما هي العلامات التي تدل على صدق التائب في توبته ؟
فإليك بعضها لتميز بها صدق التوبة من زائفها :
[SIZE="5"]1-الإقلاع عن الذنب والندم على ذلك:[/SIZE]وهذه من شروط التوبة النصوح وأيضاً علامة تميز التائب الصادق عن غيره بهجر الذنب الذي تاب منه وكثرة الندم وتأسف على فعل الذنب
قال تعالى {
[SIZE="4"] َالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[/SIZE] }(1)لتوبة أفضل :
[SIZE="5"]2-أن يكون حاله بعد التوبة أفضل :[/SIZE]فالصادق في توبته هو الذي يكون حاله بعد التوبة أفضل من حاله قبلها قال تعالى
{
[SIZE="4"]وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً[/SIZE]}(2)
قال القرطبي - رحمه الله -
(
[SIZE="4"] مَتَاباً[/SIZE])) أي تاب حق التوبة وهي النصوح .
[SIZE="5"]3- العزم على تدارك ما فات من عبادة[/SIZE]فالصادق في توبته فعلاًً هو الذي يُقبل على المولى جلا وعلا فيعوض ما فاته من فعل الصالحات والقربات لرب الأرض والسموات ،
وإذا تمكن التائب من ذروة الطاعات فأنى لسيل المعاصي أن تدركه قال تعالى :
{
[SIZE="4"]إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ[/SIZE] }(3).
[SIZE="5"]4- مجاهدة النفس على فعل الطاعات :
[/SIZE]فمداومة القلاع عن الذنب و مجاهدة النفس على هذا من أعظم البراهين على صدق التائب قال تعالى
{
[SIZE="4"]وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[/SIZE] } (4)
[SIZE="5"]5- قلة اللهو وضياع للوقت :[/SIZE]فتجد الصادق في توبته دائماً منشغل فيما يفيد إما في بر الوالدين أو في تحصيل العلم أو زيارة مريض أو في الدعوة إلى الله
أو في صلة رحم أو غير ذلك من ميادين الخير والبر المتنوعة ولله الحمد ؛
ولا يعني هذا أن التائب لا يجعل له وقت يروح فيه عن نفسه ،
وقد يكون هذا مطلب حتى تستعيد النفس نشاطها وهمتها ، وكذالك تستطيع أن يكون لك فيها أجر إذا احتسبت ذلك عند الله تعالى بإدخال السرور على من حولك .
[SIZE="5"]6- محبة الله ورسوله والمؤمنين :[/SIZE]فإن صدق التوبة داع لصدق الأعمال وإن من أعلاها محبة الله تعالى ومن محبة الله تتفرع محبة الرسول صلى الله عليه وسلم
والتي هي من محبة الله تعالى ، قال تعالى :
{
[SIZE="4"]قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[/SIZE] }(1)
[SIZE="5"]7- الحرص على مصاحبة الصالحين والجلوس معهم :[/SIZE]ولا شك أيها الأحبة أن هذه العلامة من أبرز العلامات وهي سمه تلازم التائب الصادق في توبته
قال تعالى { َ
[SIZE="4"]اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً[/SIZE] }(2)
يقول شقيق البلخي:
"علامة التوبة البكاء على ما سلف والخوف من الوقوع في الذنب وهجران إخوان السوء وملازمة الأخيار".
[SIZE="5"]8- محاسبة النفس :[/SIZE]قال يحيى بن معاذ - رحمه الله- )):
[SIZE="3"] علامة التائب إسبال الدمعة ، وحب الخلوة ، والمحاسبة للنفس عند كل همّة[/SIZE] )) .
[SIZE="5"]9- تذكر الموت وسكرته :[/SIZE]التائب كثير التذكر للموت ظهرت عليه دلائل الرغبة عن الدنيا والتجافي عن متاعها الزائل وعلم أن الرحيل عن الدنيا قريب قال تعالى:
{
[SIZE="4"]كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ[/SIZE] }(3)
[SIZE="3"]
إزهـد أُخـي فلن يطول مـقامُنا **** فالمـوت آتٍ يـفجأ لأنـسانا
أقبل على التوابِ تـرجو عـفوهُ **** وتـقول للـرحمـنِ تـبت الأنا[/SIZE]فترى التائب الصادق يذكر تلك اللحظات العصيبة والله المستعان .
فالله الله بالتوبة والإنابة . . الله الله في الثبات حتى الممات . .
الله الله في الصدق مع الله عز وجل .
لنتب إخوتاه
واعلموا؛ أن التوبة ليست كلاما.. أبدا ما كانت التوبة كلاما يوما ما..
إنّ التائب منكسر القلب.. غزير الدمعة.. حي الوجدان.. قلق الأحشاء..
التائب.. صادق العبارة.. جم المشاعر.. جياش الفؤاد.. مشبوب الضمير.. التائب خلي من العجب.. فقير من الكبر.. مقل من الدعاوى..
التائب.. بين الرجاء والخوف.. بين السلامة والعطب.. بين النجاة والهلاك.. التائب في قلبه حرقة..
التائب.. في وجدانه لوعة..
التائب في وجهه أسى..
التائب.. في دمعه أسرار..
التائب. يعرف معنى الهجر والوصال.. يعرف معنى الوصال واللقاء.. يعرف التائب.. يفرق بين اللقاء والفراق..
التائب.. بين الاقبال والاعراض.. مجرّب.. ذاق العذاب في البعد عن الله.. وذاق النعيم حين اقترب من حب الله..
التائب.. له في كل وقعة عبرة.. إذا رأى جمعا ذكر القيامة.. وإذا رأى مذنبا بكى عليه خوفا من ذنوبه..
إذا رأى نعيما خاف أن يحرم الجنة.. وإذا رأى نارا ظن أنه مواقعها..
التائب.. إذا هدل الحمام بكى.. وإذا صاح الطير ناح.. وإذا شدا البلبل تذكّر.. وإذا لمع البرق اهتز قلبه خوفا ممن يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته..
التائب.. ـ إخوتاه ـ يجد للطاعة حلاوة.. يجد للعبادة طلاوة.. يجد للإيمان طعما.. يجد للإقبال لذة..
اللهم اجعلنا من التوّابين..
التائب .. يكتب من الدموع قصصا.. وينظم من الآهات أبياتا.. ويؤلف من البكاء خطابا..
التائب.. كالأم اختلس منها طفلها.. ثم اختلست طفلها من يد الأعداء.. أتدري كم فرحتها..؟؟ أتقدر سعادتها..؟؟
التائب.. كالغائص في البحر.. إذا نجى من اللجة الى الشاطئ.. بعد أن آيس من النجاة..
التائب.. كالعقيم بشر بولد..
التائب.. أعتق رقبته من أسر الهوى.. أطلق قلبه من سجن المعصية..
التائب.. فك روحه من شباك الجريمة.. أخرج نفسه من كير الخطيئة.. التائب ـإخوتاه ـ كالطائر الجريح لا يختال..
التائب.. كالقمر الكاسف لا يتكلم..
التائب.. كالنجم الغابر.. لا يصيح..
لو رأيت التائب لرأيت جفنا مقروحا.. نبصره في الأسحار على باب الاعتذار مطروحا.. سمع قول الاله يوحى فيما يوحى
{
يا أيها الذين آمنوا توبوا الى الله توبة نصوحا} [ التحريم: 8].
نسألك اللهم توبة نصوحا.. نذوق بها برد اليقين.. وطعم الاخلاص. ولذة الرضا.. وأنس القبول.
[color=orange]
همســــــــــة:[/color]
أخي الفاضل:إن العبد لا يدري متى أجله،
ولا كم بقي من عمره، ومما يؤسف أن نجد من يسوّفون بالتوبة ويقولون:
ليس هذا وقت التوبة، دعونا نتمتع بالحياة، وعندما نبلغ سن الكبر نتوب.
إنها أهواء الشيطان، وإغراءات الدنيا الفانية،
والشيطان يمني الإنسان ويعده بالخلد وهو لا يملك ذلك. فالبدار البدار... والحذر الحذر من الغفلة والتسويف وطول الأمل،
فإنه لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلاً.
فسارع أخي الحبيب إلى التوبة، واحذر التسويف فإنه ذنب آخر يحتاج إلى توبة، والتوبة واجبة على الفور،
فتب قبل أن يحضر أجلك وينقطع أملك، فتندم ولات ساعة مندم، فإنك لا تدري متى تنقضي أيامك، وتنقطع أنفاسك، وتنصرم لياليك.
تب قبل أن تتراكم الظلمة على قلبك حتى يصير ريناً وطبعاً فلا يقبل المحو، تب قبل أن يعاجلك المرض أو الموت فلا تجد مهلة للتوبة.
☆★☆★
سلــ ( 1 ) ــسلة ... ( أتوب .. وأعود )سلــ ( 2) ــــــــسلة ( أتوب ... وأعود ) ☆★☆★
تابعونا فى المقاله القادمة بمشيئه الله [/gdwl]