فجوة الزيت في العالم العربي تبلغ 49% ويكلف استيرادها 2.7 مليار دولار سنوياً
زيت الطعام من السلع الإستراتيجية المهمة التي يعتمد عليها كل بيت، ورغم ذلك تشير أحدث الإحصائيات الصادرة عن المنظمة العربية للتنمية الزراعية إلى أن حجم الفجوة الزيتية في العالم العربي يبلغ 49%، أي إننا لا ننتج سوى 51% فقط من استهلاكنا، والباقي يتم استيراده. وفي محاولة جادة لتقليل هذه الفجوة نجح مركز تكنولوجيا الصناعات الغذائية بوزارة التجارة الخارجية والصناعة المصرية من استخراج زيت طعام من مصادر غير تقليدية، تلك المصادر كانت محصول حب العزيز ومخلف "رجيع الكون" أحد مخلفات مضارب الأرز.
في البداية كان علينا الوقوف على حجم المشكلة حيث يقول د. أحمد خورشيد مدير المركز إن الزيوت من المصادر الغذائية المهمة الضرورية للإنسان كأحد المصادر الرئيسية للدهون التي يحتاج إليها الإنسان، ولذلك فإن مصر وغيرها من الدول العربية تحرص على تحقيق الأمن الغذائي في مجال الزيوت، وذلك عن طريق الاستيراد في ظل عدم كفاية المحاصيل الزيتية المزروعة في الوطن العربي لسد هذه الاحتياجات.
ويكلفنا استيراد زيوت الطعام سنويا وفق إحصائيات اتحاد الصناعات العربية 2.7 مليار دولار سنويا، ومن المتوقع أن يزيد هذا المبلغ مع الزيادة المطردة في أعداد السكان وهنا جاءت الحاجة إلى توفير بدائل لإنتاج الزيوت ليكون لها دور ولو ضئيلا في تقليل هذه الفجوة.
لماذا رجيع الكون؟
كحول الهكسان لاستخراج زيت صحي
وعن أسباب الاتجاه إلى حب العزيز ورجيع الكون يقول د.خورشيد إن المشكلة الأساسية في سد فجوة الزيت أن هناك قيودا تحكم اتجاه أي دولة نحو زيادة مساحة المحاصيل الزيتية لسد فجوة الزيت، ومن أهم تلك القيود أنها مضطرة لتحقيق التوازن بين المحاصيل الزيتية وغيرها من المحاصيل الإستراتيجية الأخرى كالقمح، وبالتالي فإذا انتقصت الدولة من مساحة القمح مثلا لزيادة مساحة زراعة المحاصيل الزيتية فإن ذلك سيؤدي لزيادة فجوة القمح.
لذا كان لا بد للاتجاه إلى مصادر لا تجعل مخططي السياسة الزراعية يدخلون في هذه المعضلة، فاتجه التفكير إلى حب العزيز ورجيع الكون؛ ذلك لأن حب العزيز من المحاصيل التي تحتوي على نسبة معقولة من الزيوت تصل إلى 20%، وتجود زراعته في المناطق الصحراوية المنتشرة بمصر والدول العربية دون أي مجهود. أما "رجيع الكون" فهو أحد مخلفات مضارب الأرز غير المستغلة وتحتوي على نسبة معقولة أيضا من الزيوت تصل إلى 15%، أي إن المصدرين لن يأتي استغلالهما على حساب أي محصول زراعي آخر.
ومن المزايا الأخرى التي يتميز بها هذان المصدران كأحد مصادر زيوت الطعام أنهما كما يؤكد الباحث محمد حسن المتخصص في فرع الزيوت بالمركز لا يحتاجان إلى تكنولوجيا معقدة لاستخراج الزيوت منهما.
فحب العزيز يمكن استخلاص زيوته باستخدام طريقتين، وهما العصر عن طريق معاصر الزيوت العادية، أو باستخدام كحول الهكسان، وهو عبارة عن نوع من أنواع الكحوليات يتم وضعها فوق الحبوب الزيتية فتخترق الحبة وتذوب معه الزيوت، ليتم بعد ذلك تعريض الكحول لدرجة حرارة تؤدي لتطايره وبقاء الزيت. وبينما تفضل طريقة الهكسان لاستخراج الزيت من حب العزيز؛ لأنها تؤدي إلى نسب استخلاص زيت أكثر من طريقة العصر، فمع رجيع الكون تكون طريقة الهكسان هي الطريقة الوحيدة لاستخلاص الزيت.
وفي هذا الصدد يشير الباحث إلى مشكلة مهمة كادت توقف الاتجاه نحو استخراج الزيت من رجيع الكون، وهي اكتشاف أن الزيت المستخرج منه سريع التزنخ، ولكن بعد طول دراسة أمكن حل هذه المشكلة؛ حيث ثبت أن سبب التزنخ يرجع إلى وجود بعض الإنزيمات التي تعمل على أكسدة الزيت، كما ثبت أن تعريض رجيع الكون لمعاملة حرارية عن طريق البخار قبل عملية استخراج الزيت يوقف نشاط هذه الإنزيمات، وبالتالي نحصل على زيت طعام غير قابل للتزنخ.
قيمة غذائية أعلى
الأمان الصحي مطلب متوفر في زيت حب العزيز ورجيع الكون
وعن القيمة الغذائية لهذين المصدرين ومدى اختلافهما عن الزيوت الموجودة بالسوق، يؤكد أمجد القاضي الباحث بالمركز أن الدراسات التي أجريت على هذين المصدرين أثبتت أن قيمتهما الغذائية أعلى بكثير من الزيوت الموجودة بالسوق؛ وهو ما يجعل الاتجاه إلى استخراج الزيوت منهما مطلبا غذائيا صحيا، إلى جانب المساهمة في سد فجوة الزيت.
وعن فائدتهما الصحية يشير القاضي إلى أن زيت حب العزيز ذو أهمية كبرى كمضاد للسرطان والأورام لاحتوائه على مضادات الأكسدة المفيدة. أما زيت رجيع الكون فهو يحتوي على نسبة عالية من الفيتامينات الذائبة في الدهون، وهي فيتامين "أ" الذي يساعد في تكوين الجلد والقرنية، وفيتامين "د" الذي يعمل على ترسيب عنصر الكالسيوم في العظام، وفيتامين "هـ" الضروري لسلامة الأغشية المحيطة بالخلايا ولحماية المعدة من المواد المسرطنة، وكذلك يساعد على منع تجلط الدم.
سد الفجوة.. حلم أم حقيقة؟
ويؤكد د. خورشيد على أن الإجابة على هذا التساؤل ترتبط بمدى الاهتمام بهذين المصدرين فلو أحسنا استغلال مخلف رجيع الكون في مصر والذي يصل حجمه إلى ما يقرب من مليون طن سنويا فسنحصل منه على 200 ألف طن زيت، وهي كمية غير مستغلة يمكن أن تقلل من حجم الاستيراد السنوي من الزيوت بنسبة 20%، حيث يصل حجم الاستيراد في مصر إلى 966 ألف طن سنويا، وفق أحدث إحصائيات جهاز التعبئة والإحصاء المصري.
أما بالنسبة لحب العزيز فالكمية المزروعة منه في مصر –حاليا- لا تكفي لأن يكون له دور في سد الفجوة؛ لأننا لا نزرع منه سنويا سوى 80 فدانا فقط، لكن يمكن مطالبة مخططي السياسة الزراعية بالاهتمام بزراعة هذا المحصول، خاصة أنه تجود زراعته في الأراضي الرملية الصفراء المنتشرة في أرض مصر والعالم العربي.
وتعليقا على مدى جدية استخراج زيت الطعام من المصدرين السابقين يقول د. خالد القاضي الأستاذ بكلية الزراعة جامعة الزقازيق إن كل الدراسات التي أجريت حول أزمة فجوة الزيوت أكدت أننا بحاجة إلى زراعة مليون فدان من المحاصيل الزيتية لسد الفجوة وتحقيق الاكتفاء الذاتي. فلتكن نسبة كبيرة من المليون فدان لمحصول حب العزيز.
وطرح د. خالد فكرة استثمار جزء من الـ 2.7 مليار دولار التي تصرف سنويا على استيراد زيوت الطعام في زراعة المحاصيل الزيتية كحب العزيز، حيث سيساعد هذا إلى جانب سد فجوة الزيت إلى خلق الآلاف من فرص العمل. ويؤكد أن استسهال استيراد الزيوت بدلا من زراعة المحاصيل الزيتية محليا إنما هو تشجيع للمزارعين الأوربيين ومزارعي جنوب شرق آسيا التي نستورد منها الزيت.
ويتفق د. محمد فتحي الأستاذ بكلية الزراعة جامعة المنصورة مع ما ذهب إليه د. خالد القاضي، ولكنه يشير إلى بعد آخر من مزايا الاعتماد على المصادر المحلية في استخراج الزيوت، وهو أن هذه المصادر ستجعل المستهلك يقبل على استهلاك الزيت وهو مطمئن أنه آمن صحيا، خاصة بعد الأزمات التي أثيرت مؤخرا حول مدى صلاحية الزيوت المستوردة للاستهلاك الآدمي، وهي الأزمات التي بدأت بزيت الزيتون المستورد من أسبانيا وانتهت منذ فترة بزيت الكانولا.
وهكذا يؤيد معظم الخبراء في مجال الزيوت ضرورة الاعتماد على المصادر المحلية، خاصة بعد نجاح تجربة حب العزيز ورجيع الأرز حيث يبقى الانتقال لمجال التطبيق العملي على النطاق الواسع.