عبودية الروح والجسد وقائع وحقائق وارقامعن تجارة (حرية المرأة)فى الغرب
"الاسلام دين تخلف لانه يضطهد المرأة"، "المسلمون ينكرون على المرأة حقوقها الانسانية"، "الاسلام لا يضمن للمرأة حقها بالمساواة"، "المسلمون يرتكبون جرائم شرف بحق نسائهم"، "الاسلام يحوّل المرأة الى جارية"، "المسلمون "يا للفظاعة" يمارسون تعدد الزوجات". كل هذا، وغيره الكثير، هو ما يشكل الصورة المألوفة عن الاسلام فى الغرب. أما "حقوق" و"حريات" المرأة، فانها "يا لطيف" كم رائعة وكم انها تعبر عن "تقدم" و"تحضر" المجتمع الغربى الذى لا يكتفى بان يساوى بين المرأة والرجل فحسب، ولكنه يمنح المرأة كل الحق فى ان تفعل بنفسها ما تشاء، بما فى ذلك ان تتحول الى موضوع للاتجار الجنسي. والحال، فانه لا يجوز نكران حقيقة ان المرأة فى العالم الاسلامى تعانى أوضاعا مأساوية من حيث الحقوق والحريات. ولكن الدفاع عن حقوق وحريات المرأة شيء، وتحويل الدفاع عن هذه الحقوق والحريات الى "تجارة" سياسية وايديولوجية لادانة الاسلام، او للتدخل فى شؤون الدول الاسلامية وابتزاز حكوماتها، شيء آخر تماما. كما ان معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التى تعيق تقدم وتحرر ومساواة المرأة شيء، واستغلال هذه المشكلات لتقديم تصورات عنصرية عن "التفوق" الأخلاقى الغربى شيء آخر أيضا.
والحقيقة فانه لا شيء أوضح من النفاق الغربى عندما يتعلق الأمر بالأخلاق. فهذا الغرب الذى ينتهك حقوق الملايين ويرسل جنوده لممارسة شتى اعمال القتل والتهجير والاغتصاب "كما كان يفعل دائما، وعلى امتداد التاريخ، وليس فى العراق وحده اليوم" هو آخر من يستحق الاصغاء الى إدعاءآته الكاذبة بشأن حقوق وحريات المرأة. أولا، لان المرأة فى الغرب لا تُعامل، إلا فى نطاق محدود، ككائن متساو، سواء فى الوظائف والأجور، او فى فرص الارتقاء فى السلم الوظيفي. وإذ ان هناك استنثناءآت يجرى تسليط الضوء عليها دائما، فان الحقيقة ليست كذلك بالنسبة للغالبية الغالبة من النساء. والحقيقة هى ان أكثر من 90 فى المائة من النساء اللواتى يؤدين عملا متساويا، يتقاضين أجورا أقل. ثانيا، لان الثقافة الرأسمالية الغربية، القائمة برمتها على الهيمنة والاستغلال، لا تقتصر شرورها على "الآخرين" فقط، بل انها تمتد، بحسب طبيعتها بالذات، لتكون ثقافة هيمنة واستغلال "وحشية بالأحرى" ضد المجتمع الداخلى نفسه، بكل ما فيه من رجال ونساء واحيانا أطفال أيضا. وطبعا، يمكن القول ان هناك تشريعات توفر الحماية لهذا وذاك وذلك، ولكن هذه التشريعات، كأى قاعدة أخرى، انما "توجد لكى تخرق". وثالثا، وحيث ان هذه الثقافة تقوم على تحويل كل شيء الى سلعة، فان "تسليع" النساء هو الوجه الأكثر جوهرية بالنسبة لتلك الثقافة. والمرأة هناك يراد لها ان تكون "حرة" ليس لانها إنسان بل لكى يمكن تحويل حريتها المزعومة الى بضاعة، تتم المتاجرة بها، تارة لأغراض السياسة وتبرير تصورات التفوق العنصري، وتارة أخرى لأغراض البغاء. اما لدى النظر الى الإسلام والمسلمين، فان الأمر سيذهب فورا، بالنسبة لدعاة نظرية التفوق الغربي، الى الإدانة الشاملة من دون حتى مجرد التفكير فى وضع التشريعات الاسلامية فى سياقها التاريخي، ومن دون النظر الى ما فعله الاسلام لكى يرفع من مكانة المرأة ويحمى حقوقها، هى التى كانت لا تتمتع بأى حقوق على الإطلاق. صحيح ان الكثير المسلمين لم يتمكنوا من مواكبة متطلبات التطور فيما يتعلق بتلك الحقوق والحريات، ألا ان ذلك لا يلغى حقيقة ان الإسلام كان بمثابة ثورة جبارة فيما يتعلق بقضيتين اجتماعيتين كبيرتين اثنين على الأقل: تحرير العبيد وإعلاء شأن المرأة ووضعها فى مصاف قريب للغاية من مصاف المساواة التامة. وهذا المصاف "فى ظروفه التاريخية" كان بمثابة قفزة عظيمة الى الأمام، احتاج الغرب 14 قرنا من الزمان ليلحق بها، قبل ان يتخطاها "فى مجال محدود من الحقوق والحريات". واذا كان هناك من مثال يمكنه ان يوجز الوجه الحقيقى للموقف الغربى من المرأة، فان تجارة الرقيق الأبيض هى ذلك الوجه الذى يكاد يجسد بمفرده الكثير من قيم "التسليع" الغربية وطبيعة فهمه لـ"حرية المرأة". فالمسألة هنا، لا تعدو كونها مسألة بيع وشراء، عرض وطلب. لتحقيق الربح حتى ولو على حساب أجساد وأرواح الملايين من الضحايا. تقول احصائيات وزارة العمل الأميركية لعام 2004 ان المتاجرة بالبشر عبر الحدود الدولية ربما تطال 800 الف انسان سنويا. وتقول انه اذا احتسبت ارقام النخاسة ضمن حدود البلدان فان المجموع قد يصل الى ما بين مليونى و4 ملايين انسان. ويلاحظ باحثون ان اوضاع المرأة فى الغرب تتسم بسمات من قبيل: أولاً: استخدام المرأة فى الدعاية والإعلان. فالمرأة تبتز بشكل بشع فى المجتمعات الغربية وتقول الباحثة جيهان البيطار"حول أخلاقيات الإعلان" ان : 93% من الاعلانات التجارية تستخدم السيدات. و 73%منها يتم تقديمها من خلال حركة المرأة . وأكثر من النصف يحتوى إثارة فى المضمون. ثانياً: فتح مجالات عمل لا تتناسب مع طبيعة المرأة. فبناء على نظرية المساواة المزعومة فى العالم الغربى فان المرأة تعمل كما يعمل الرجل، فى المناجم وصناعة المواد الثقيلة وتنظيف الشوارع وقيادة الشاحنات وغيرها من الأعمال التى لا تتناسب مع طبيعتها الجسمية. ثالثاً: العنف والاعتداء على المرأة .وهنا، فان صور الاعتداء على المرأة بالضرب أو التحرشات الجنسية أو الاغتصاب والقتل ليست فى الواقع أقل سوءا مما هى عليه فى كل مكان آخر. وكشف مسح استطلاعى أعدته وزارة الداخلية البريطانية أن 80% من ضابطات الشرطة، أى بنسبة أربعة إلى خمسة، يتعرضن للمضايقات الجنسية خلال نوبات العمل الرسمية. شارك فى الاستطلاع 1800 ضابطة فى عشر مديريات أمن فى إنكلترا وويلز، وأشرفت عليه الدكتورة جنيفر بروان وهى باحثة اجتماعية فى الوحدة الملحقة فى مديرية أمن "نيوهامبشاير". ويقول مركز الضحايا الوطنى الذى يناصر حقوق ضحايا جرائم العنف: أن معدل الاغتصاب فى الولايات المتحدة أصبح يبلغ 1.3 امرأة بالغة فى الدقيقة الواحدة؛ أى 68000 امرأة فى العام. وأضاف المركز أن واحدة من كل ثمانى بالغات فى الولايات المتحدة تعرضت للاغتصاب ليكون إجمالى من اغتصبن اثنى عشر مليونا ومائة ألف امرأة على الأقل. ويشير المسح إلى أن 61% من حالات الاغتصاب تمت لفتيات تقل أعمارهن عن 18 عاماً، وأن 29% من كل حالات الاغتصاب تمت ضد أطفال تقل أعمارهم عن 11 عاما. وأظهرت الأرقام زيادة معدل الاغتصاب عن العام الذى سبقه بنسبة 59%. وتبين بعض الإحصاءات الأوروبية أن هناك امرأتين تعيشان دون زواج؛ مقابل كل رجل أعزب، وهذا يعنى أن جيلا من النساء يتعرضن لخطر العنوسة. وتذكر الإحصائيات العلمية أن المرأة التى يتراوح عمرها ما بين 35ـ 39 عاماً لا تتوفر لها فرص الزواج إلا بنسبة 38% فقط. وفوق ذلك، فان تجارة الرقيق الأبيض تكاد تكون الظاهرة الأكثر خطورة ليس فى الغرب وحده، بل انها تمتد، عبر مافيات غربية، لتشمل العالم بأسره. ويؤكد تقرير لمنظمة الهجرة الدولية أنه يجرى سنويا بيع نصف مليون امرأة إلى شبكات الدعارة فى العالم، وأن النساء من دول أوروبا الشرقية يشكلن ثلثى هذا العدد، أما أعمارهن فتتراوح بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين. وتعترف منظمة الشرطة الأوروبية "أوروبول" بأن تجارة الرقيق الأبيض منظمة بشكل جيد أما المنظمات غير الحكومية المهتمة بهذه المسألة وبعض الأجهزة الأمنية فى أوروبا الشرقية فتؤكد أن الكثير من النساء يقعن فى فخ الاستدراج الذى يجرى عادة عن طريق نشر إعلانات مكثفة فى مختلف الصحف فى دول أوروبا الشرقية عن الحاجة إلى مربيات أو نادلات فى المطاعم أو مغنيات أو راقصات أو عارضات أزياء للعمل فى الغرب أو فى بعض الدول البلقانية بعروض مغرية. وبعد وصول الفتيات إلى "أماكن العمل" تصادر جوازات سفرهن ويحتجزن لعدة أسابيع يتعرضن خلالها للإهانات والتعذيب ثم يجبرن على ممارسة الجنس مع كثير من الرجال إلى أن يروضن تماماً ثم يبيعهن القوادون إلى عصابات مختلفة الأمر الذى يجعل عودتهن إلى بلدانهن أو الوصول إلى الشرطة صعبا. وتؤكد العديد من المصادر المتابعة لتجارة الرقيق الأبيض فى أوروبا أن العديد من الدول والمناطق فى البلقان غدت مفترق طرق بالنسبة للكثير من النساء ولاسيما اللواتى يستدرجن من جمهوريات رابطة الدول المستقلة كأوكرانيا أوملدوفيا وروسيا البيضاء. فالنساء الأكثر جمالاً يرسلن إلى أوروبا الغربية ولاسيما إلى المانيا وفرنسا وإيطاليا ، فى حين أن الأقل جمالا وجاذبية يرسلن إلى تركيا واليونان والشرق الأوسط. وفى دليل على الحجم الخطير الذى وصلت إليه هذه التجارة يقول تقرير للمجلس الأوروبى إن أرباح القوادين ومجموعات المافيا التى تعمل فى هذا المجال فى دول الاتحاد الأوروبى ارتفعت فى الأعوام العشرة الماضية بنسبة 400% وإن شبكات الدعارة هذه تعرض الآن نصف مليون امرأة للبيع يبلغ الدخل الذى تحققه النساء فيها للقوادين ومزورى الوثائق ومهربى البشر وغيرهم 13 مليار يورو سنويا. وتقول احصائية صادرة عن وزارة الداخلية الاوكرانية أن حوالى 400 ألف امرأة وفتاة دون سن الثلاثين غادرن أوكرانيا خلال السنوات العشر الماضية عن طريق عصابات المافيا. ومن وسائل العصابات المنظمة استخدام الفتيات أنفسهن فى استدراج بنات جنسهن لمستنقع الدعارة من خلال تزيين ذلك العمل وإظهار محاسنه المادية، مقابل حياة الضنك الاقتصادى والاجتماعى فى البلد الاصلى للضحايا. وليس النساء فقط هن الضحايا الوحيدين لعصابات الجريمة المنظمة بل الاطفال أيضا. ويقدر عدد الاطفال الذين يتم استغلالهم فى العالم بنحو 246 مليون طفل، منهم "وفق احصائيات الامم المتحدة"، أكثر من مليونى طفل يتعرضون للاستغلال الجنسى ويعاملون معاملة الرقيق. وأكدت دراسة قامت بها جمعية حقوق الطفل التابعة للامم المتحدة بيع 20 مليون طفل خلال السنوات العشر الاخيرة ليعيشوا طفولتهم فى ظروف معيشية قاسية. وتعتمد شبكات الرقيق الابيض فى جلب الاطفال على مصادر عدة، منها سرقة الاطفال حديثى الولادة من المستشفيات والادعاء بأنهم ماتوا، وحجز الاطفال قبل ولادتهم من غير المرغوب فيهم خاصة الاطفال غير الشرعيين، وايواء المراهقات والعاملات فى سوق الدعارة الحوامل، ومؤجرات الارحام اللواتى يتم وضعهن فى أماكن سرية وتنتهى مهمتهن بعد الوضع فيباع الاطفال أو يستخدمون فى تجارة الاعضاء البشرية. ويباع الاطفال فى سن مبكرة بسعر يتراوح بين 6 و15 ألف يورو ولا سيما إلى الايطاليين والفرنسيين والالمان. وذكرت جيفيتسا أبادجيتش أمينة سر منظمة هلسنكى الدولية لحقوق الانسان فى البوسنة أن "الاطفال فى البوسنة يباعون بأسعار تتراوح بين 250 و2500 يورو للطفل الواحد"، وقالت إن "الاهالى يضطرون لبيع أطفالهم بسبب الاوضاع الاقتصادية الصعبة للعائلات". وهناك الكثير من الدلائل التى تشير ان تجار الرقيق الأبيض فى المنطقة العربية يلحقون زملائهم الغربيين، ويقومون بـ "تصدير" نساء من بعض دول شمال أفريقيا والعراق الى دول الخليج العربى ليعملن، فى البداية، كخادمات او "فنانات" "حسب العمر والجاذبية"، قبل ان يتنتهى بهن المطاف ليصبحن بغايا فى سوق نخاسة "الحرية" و"المساواة" .